عندما استشرت من معي في إدارة موقع (معرفي) بنيـّـتي في كتابة مقال بعنوان (كيف تصبح معالجاً معرفياً ؟) أتاني رد طريف ومشجع في آن واحد. كان الرد أن هذا السؤال يحتاج لكتاب كامل كإجابة.

شعرت بإحباط لوهلة، فكيف سأستطيع اختصار كتاب في مقال صغير، وما لبث أن تحول الإحباط إلى حماس لأني أيقنت أن هذا السؤال يحمل أهمية كبيرة لمن يريد فعلا أن يمارس هذا النوع من أنواع العلاج النفسي ويتخصص فيه.

يأتي هذا المقال بعد تجربة ليست بالطويلة في ممارسة العلاج المعرفي في السعودية وكندا مع مرضى عرب وأجانب، مصحوبة بحضور عدد من المؤتمرات والدورات والمحاضرات وورش العمل المختصة بالعلاج المعرفي.

إجابتي عن السؤال ستكون عبارة عن عدد من الخطوات، يمكن لمن يريد أن يختص في العلاج المعرفي أن يتبعها:

أولاً: من المفروغ منه قولاً أن نشدد على تأكيد أن قرار اختيار التخصص في العلاج النفسي عامة والمعرفي خاصة يجب أن يأتي بعد تمحيص وتدقيق، وأن هذا المجال هو فعلاً ما تريد أن تمارسه كعمل مستقبلاً في حياتك القادمة، وذلك بالطبع بناءً على ما لديك من القدرات والمواهب ومنها: حسن الاستماع، وتقبل الآخر، والصبر. ومن الممكن لكل عامل في مجال الصحة النفسية أن يتخصص في العلاج المعرفي ويشمل ذلك: الطبيب النفسي، الأخصائي النفسي، الأخصائي الاجتماعي، المعالج بالعمل، وممرض الصحة النفسية.

ثانياً: للأسف الشديد، فإنه حتى تاريخ كتابة هذا المقال لايوجد معهد أو جامعة عربية تمنح تدريباً حقيقاً متخصصاً في العلاج المعرفي بإشراف مباشر من معالج معرفي ذو خبرة حصل هو بدوره على تدريب مماثل. لذلك فالبديل هو الحصول على تدريب في بلد غير عربي وذلك بطبيعة الحال على حساب اللغة والثقافة للأسف. وذلك يتطلب معرفة المتدرب بلغة ذلك البلد وثقافته ومن هنا تأتي المعضلة. فكثير من خريجي أقسام علم النفس من المعالجين الجدد لا يملكون هذه القدرة.

ثالثاً: إن استطعنا تشبيه العلاج المعرفي بالطائر، فالعلاج المعرفي له جناحان، لا يمكن له الطيران بواحد دون الآخر، (المعلومات والتدريب). وسنتحدث عن كل قسم بالتفصيل.

الجناح الأول: المعلومات

لا اعتقد أني أبالغ إن ذكرت أن هذه هي اللبنة الأولى والأساس المتين الذي سوف يبنى عليه كل ما سيأتي، لذلك فالاهتمام في الأساسات هو عامل حاسم وضروري لتكامل البناء وقوته.

ويتم الحصول على المعلومات في العلاج المعرفي من الكتب والدراسات بالدرجة الأولى يليها المحاضرات ومافي حكمها. ويمكن تصنيف الكتب التي تم تأليفها في مجال العلاج المعرفي إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: يتناول نظرية العلاج المعرفي، والدراسات التي أجريت عليه، والأمراض والمشاكل التي يتناولها. وكذلك يشمل وصف تفاصيل العلاج من فنيات وتقنيات، وتقسيم الجلسة العلاجية، ومراحل العلاج المختلفة. ومن أمثلة هذا الصنف من كتب عربية ما يلي:

المرشد في العلاج الاستعرافي السلوكي

العلاج المعرفي السلوكي: أسس وتطبيقات

ومن أمثلة الكتب الأجنبية:

Learning Cognitive-Behavior Therapy: An Illustrated Guide

Cognitive Therapy: Basics and Beyond

الصنف الثاني: كتب تحتوي على دليل (Manual) في كيفية تصميم برنامج علاجي لنوع محدد من الاضطرابات والمشاكل النفسية كالاكتئاب أو الوسواس القهري مثلاً. وغالباّ ما تحتوي هذه الكتب على مقطع من (نص) محادثة بين المعالج والمريض لإيضاح كيفية القيام بذلك فعلاً. ويعتبر كتاب (مرجع إكلينيكي في الاضطرابات النفسية) من أمثلة هذا الصنف. ومثالي الأروع هو كتاب (treatment plans and intervention for depression and anxiety disorders) الذي أعتبره فعلا من أفضل ما تم تأليفه في العلاج المعرفي.

الصنف الثالث: كتب المساعدة الذاتية (Self-Help) الموجهة للمريض بقصد مساعدته لفهم تفاصيل العلاج. وفي رأيي، أنها كتب لابد للمعالج من قراءتها لأنها غالباً تقوم بتبسيط الفكرة وهو ما يحتاجه المعالج غالباً عند حديثه مع المريض خلال الجلسات. ومن الأفضل الاطلاع على الكتاب المحدد قبل أن تنصح المريض بقراءته. وأشهر كتاب كمثال على هذا الصنف: كتاب (العقل فوق العاطفة  -Mind over Mood) الذي قام بترجمته مشكوراً د.مأمون المبيض إلى اللغة العربية.

الجناح الثاني: التدريب

وأعني به اكتساب المهارات والفنيات وتطبيقها بالطريقة الصحيحة، وذلك لا يتم إلا تحت إشراف مباشر من معالج معرفي حاصل على اعتراف من جهة موثوقة وحصل هو أيضاً على تدريب مماثل في الماضي.

نصيحتي لك هي محاولة الحصول على قبول للتدريب في مكان يقدم ذلك وهذه بعض الجامعات والمعاهد التي تقدم ذلك (قسم التدريب). أما في حالة تعذر ذلك – وهو الأغلب – فإليك ما يلي:

1.       ابدأ بتحصيل المعلومات اللازمة لممارسة العلاج المعرفي وذلك من خلال الجناح الأول (المعلومات) فأنصح أن تكون قد قرأت كتاباً واحداً على الأقل في العلاج المعرفي والأفضل أن تكون قد قرأت كتاباً واحداً من كل صنف من الأصناف الثلاثة سابقة الذكر.

2.       ابحث عن معالج متخصص في العلاج المعرفي في منطقتك – أو على الأقل معالج نفسي ذو خبرة – واطلب منه الإشراف على طريقة تنفيذك وممارستك للعلاج المعرفي.

3.       اختر حالة تحتاج للعلاج المعرفي على أن تكون حالة واضحة وبسيطة مثل الرهاب الاجتماعي أو الاكتئاب، وحاول تجنب الحالات التي تعاني من اضطرابات نفسية متعددة أو تعاني من اضطراب الشخصية لصعوبة علاج مثل هذه الحالات. لابد من إطلاع المريض على طبيعة ممارستك وأنك لا زلت في طور التدريب ويجب أخذ موافقة المريض قبل كل شيء.

4.       خذ موافقة المريض لتسجيل الجلسات صوتياً أو بالفيديو – إن كان ذلك ممكناً – وذلك للاستفادة منها ونقاشها مع المعالج المشرف على الحالة.

5.       حاول تطبيق برنامج علاجي حسب نوع الحالة مما هو موصوف بالكتب التي تشرح طريقة تطبيق العلاج المعرفي واتباع الدليل (Manual) المكتوب لذلك. ويوجد في الموقع أمثلة على ذلك في قسم (دليل الجلسات العلاجية).

6.       لتطوير مهاراتك احضر ورش العمل التي تحتوي على تدريبات عملية، وشاهد مقاطع الفيديو التي تشرح بعض الفنيات من خلال مشهد بين المعالج والمريض، ومن أشهر من قام بذلك د.كريستين باديسكي في موقعها، ود.جيسي رايت في كتابه الذي يشمل قرص دي في دي يحوي 17 مشهداً بين المعالج والمريض.

7.       استمر في البحث عن معاهد أو جامعات تقدم تدريب للعلاج المعرفي في البلاد العربية لربما ظهر أحدها في القريب العاجل. وأرجو إعلامنا بذلك فوراً.

ما سبق لا يعدو عن كونه وجهة نظر شخصية تحتاج للنقاش والتصحيح، انتظر مداخلاتكم التي حتماً ستثري هذا المقال، وإلى لقاء.