( الدراسة هي جزء من فصل لرسالة الماجستير تحت عنوان : تقدير الذات و قلق المستقبل لدى الجالية العربية المقيمة بمدينة أوسلو في النرويج للباحث ابراهيم محمد بلكيلاني )

يرى أصحاب المدرسة المعرفية بأن معتقدات الفرد وأفكاره الخاطئة لها الدور الحيوي في توليد القلق لديه. و أن اضطرابات التفكير تكون سببا ملحوظا لأعراض القلق . و تؤكد دراساتهم على وجود علاقة وثيقة بين المعتقدات غير العقلانية و القلق لدى الجنسين الذكور و الإناث .

و تشير تلك الدراسات إلى أن الأفكار الأكثر انتشارا لدى الإناث هي :

– الانزعاج لمشكلات الآخرين .

– الاعتمادية .

– تجنب المشكلات .

 

بينما الأفكار الأكثر انتشارا لدى الذكور هي :

– لوم الآخرين .

– عدم التسامح تجاه الإحباط .( ابراهيم ، 1990)

 

و سنستعرض فيما يلي النموذجين الأبرز للقلق في المدرسة المعرفية :

 

أ‌- النموذج المعرفي للقلق عند أرون بيك A Beck. :

ركز بيك أعماله على الاكتئاب إلا أنه ” طبَّق مفاهيمه المعرفية عن الأفكار التلقائية ، و التحريفات المعرفية ، و التخطيطات المعرفية في تفسير الاضطرابات الانفعالية الأخرى و منها القلق ” ( حسين،2007، ص ص 36-37) .

ويرى بيك أن ” الاضطرابات الانفعالية تكون ناتجة أساسا عن اضطراب في تفكير الفرد . فطريقة تفكير الفرد و ما يعتقده و كيف يفسر الأحداث من حوله كلها عوامل هامة في الاضطراب الانفعالي ” . ( حسين،2007، ص 37) .

يؤكد بيك في أعماله على أن توقع الفرد للأخطار و الشرور هي المكونات الأساسية التي تميز مرضى القلق . فالقلق لديه يتوقف أساسا على كيفية إدراكه لتلك المخاطر و تقديره لها. فالفرد في حالة القلق يكون مهموما أولا باحتمال تعرضه للخطر أو الأذى . فالفكرة الأساسية التي تهيمن عليه هي وجود خطر داهم يهدد صحته ، أسرته ، ممتلكاته ، مركزه المهني أو الاجتماعي و غيرها من أنواع التهديدات . ( تونسي، 2002 ، ص ص 29-30 ) .

و ” يعتبر التفكير المأساوي من الأخطاء المعرفية الشائعة لدى مرضى القلق ، و تعني توقع أسوأ النتائج ،إذ أن تفكير مريض القلق يكون منصبا على توقع أسوا النتائج المحتملة لأي موقف من المواقف ” (حسين،2007، ص37) . فالمبالغة في تقدير الأخطار المحتمل حدوثها للفرد في المستقبل ، تجعله دائم التشكك في قدرته على المواجهة و المقاومة ، مما تسبب له قلقا مستمرا .

و يعمل ميكانيزم الأفكار التلقائية السلبية المتسم بتوقع دائم للمخاطر على تحريف و تشويه معارف مريض القلق . وفي هذا الإطار تشير أعمال Greenberg & Beck إلى ” إن تشويه الفرد لما يرد إليه من معلومات في اتجاه التوقع المستمر للكوارث ينعكس على نظرة الفرد لذاته و للعالم و للمستقبل ” ( حسين،2007، ص 39) .

 

و من خلال أعمالهما أيضا أشار حسين ( حسين،2007، ص ص 39-40 ) إلى أن هناك فروقات في ارتباطات التكوين المعرفي :

• فالتكوين المعرفي الذي يتسم بتوقع الفرد للمخاطر و الشعور بالتهديد النفسي والجسمي والاجتماعي يرتبط بالقلق .

• أما التكوين المعرفي المتسم بفقدان الأمل والحزن والتشاؤم والشعور بعدم القيمة وعدم الكفاءة والاتجاه السلبي نحو الذات و العالم و المستقبل يرتبط بالاكتئاب .

فمرضى القلق يرون أن المستقبل لا يمكن التنبؤ به و أنه حافل بالخطر .

 

و يشير بك إلى أن الأفكار الملازمة لمرضى القلق تتضمن عادة :

• عدم الكفاءة و الأهلية في الإنجاز .

• نقص ضبط الذات و السيطرة عليها .

• الرفض الاجتماعي .

• المرض .

• الإيذاء الجسمي .

و يجمل حسين محتوى التفكير في القلق وأعراض القلق الناجمة عنه على النحو التالي:(حسين،2007، ص 40)

• رؤية الذات عرضة للخطر و الانتقاد و تبدو في الأعراض التالية : قلق ، نقص ثقة بالنفس ، التجنب .

• رؤية العالم كتهديد له و تبدو معه الأعراض التالية : زيادة الاعتمادية ، الأعراض التلقائية .

• رؤية المستقبل كعصي عن التنبؤ و تبدو معه الأعراض التالية : اضطراب النوم ، فقدان المبادأة ، ضعف التركيز ، الحذر المفرط .

 

ب‌- النموذج المعرفي للقلق عند لازاروس Lazarus :

يميز Lazarus بين عملتين أساسيتين هما :

• التقويم الأولي :

و يعني به تقدير الفرد لمدى تهديد الموقـف ( تحديد الموقف و تقدير مدى احتمالية الضرر و مدى اقترابه و شدته ) .

و يتأثر التقويم الأولي بنوعين من العوامل :

– عوامل متعلقة بشخصية الفرد و تشمل اعتقاداته و افتراضاته .

– عوامل متعلقة بالموقف و تشمل طبيعة الحدث أو التهديد المتوقع و احتمالات حدوثه .

 

• التقويم الثانوي :

و يعني به تقدير الفرد لما لديه من إمكانات و قدرات للتعامل مع المواقف ( تقييم القوة /القدرة الدفاعية على إبطال الخطر و احتوائه ) .

و يتأثر التقويم الثانوي بقدرات الفرد و إمكاناته :

– النفسية ( تقديره لذاته و الروح المعنوية التي لديه ) .

– الجسمية ( صحة الفرد و طاقته على التحمل.

– الإجتماعية ( شبكة العلاقات الإجتماعية و حجم المساندة و الدعم المقدم له ) – المالية ( المال ، الأدوات و التجهيزات ) . ( حسين، 2007، ص 43-44 ) و ( عثمان ، 2001، ص ص 100-101) .

 

وفي سياق النظرية المعرفية أيضا ، يقسّم Ellis بين شكلين من أشكال القلق :

أ‌- قلق عدم الارتياح : و يعرف بأنه ضغط انفعالي ينتج عندما يشعر الفرد:

• أن راحته أو حياته مهددة .

• أنه لابد و أن يحصل على ما يريد .

ب‌- قلق الأنا : و يعرف بأنه ضغط انفعالي ينتج عندما يشعر الفرد :

• بأن قيمته الذاتية و الشخصية مهددة .

• أنه يجب أن يقوم بالأداء الجيد و أن يستحسنه كل من حوله . ( محمد،،2002، ص 239) و يلخص محمد بأن القلق في النظرية المعرفية يرجع إلى ” تبني الفرد أفكارا غير عقلانية و أهداف غير واقعية تسبب له اضطراب و تجعله يعيش القلق الاجتماعي مع المحيطين ” ( محمد،2002 ، ص 239)

 

ابراهيم محمد بالكيلاني