يعترض بعض المتخصصين في العلاج والطب النفسي على العلاج المعرفي السلوكي باعتباره لا يناسب العقلية العربية، وذلك ليس لعيب في العلاج المعرفي السلوكي بقدر ماهو عيب في العقلية العربية!!

فهي عقلية لا ترقى الى مستوى علاج يقوم على اساس فكرة عقلانية تعنى بما يفكر فيه الناس وما يقولونه عن انفسهم وعن اتجاهاتهم ونصوراتهم لان هناك قطيعة بكل ما عقلاني وبين العقلية العربية.

ادعاءات المعارضين للعلاج المعرفي السلوكي:

1-   يقوم العلاج المعرفي السلوكي على تحالف علاجي قوي قوامه التعاطف والاحترام الحقيقي والكفاءة، والمريض العربي يحتاج الى سلطة المعالج حتى يلتزم بالتحالف وليس الكفاءة والاحترام المتبادل.

2-   يؤكد العلاج المعرفي على اهمية التعاون والمشاركة الايجابية من العميل ، والمريض العربي سلبي يحب الحلول الجاهزة واعمل ولا تعمل.

3-      يهدف العلاج المعرفي الى تعليم المريض علاج نفسه وكيف يطور تفكيره والمريض العربي شخصية اتكالية تعتمد على الغير.

4-    والعقل العربي عقل انعكاسي: بمعنى أنه يرفض مايسقط عليه، وبشكل أبسط فإنه أشبه بالمرآة التي تعكس الضوء دون التفاعل معه، وعمليا ً هذا يعني أنه ضعيف الصلة بالتطور.

5-   يقوم العلاج المعرفي على تحليل تفكير العميل في محاولة لاصلاح التشوهات المعرفية التي تسوده, لكن العقل العربي يقوم على النظرة المعيارية وهي نظرة اختزالية، تختصر الشيء في قيمته، وبالتالي في المعنى الذي يضفيه عليه الشخص (والمجتمع والثقافة) صاحب تلك النظرة.

6-    وهو عاجز عن النظرة الموضوعية والتي هي نظرة تحليلية تركيبية: تحلل الشيء إلى عناصره الأساسية لتعيد بناءه بشكل يبرز ما هو جوهري فيه، مما يجعله عاجزا بالتالي على تقبل هذا النوع من العلاج.

7-    تتضمن فنيات العلاج المعرفي السلوكي القيام بواجبات يكلف بها المعالج المريض للقيام بها في البيت, والمريض العربي انسان كسول يأتي ليلقي بهمومه على المعالج ويستنكر القيام بهذه الواجبات وغالبا لشدة النقص الفكري لديه وعدم تحمله الدائم للمسؤولية.

 

هل يناسب العلاج المعرفي السلوكي العقل العربي؟

إن الإجابة على هذا التساؤل يقتضي الاجابة على تساؤلات عدة اهمها:

س1: كيف تعامل الاسلام مع العقل العربي؟

وقبل ذلك تجدر الاشارة وبشكل مختصر الى نبذة عن هذه المدرسة العلاجية و فنياتها.

 

أولاً: نبذة مختصرة عن مدرسة العلاج المعرفي السلوكي:

ترى هذه المدرسة العلاجية

– ان هناك تغيرات ايجابية تحدث في السلوك نتيجة تأكيد الذات

– و أنها تشمل ضمناً تغير في طريقة تفكير الفرد و في تقديره للأشياء

– و أن مخاوف الفرد تكون في كثير من الأحيان مبالغات و تشويه للواقع

– وان فاعلية العلاج النفسي و تعديل سلوك الإنسان يعتمد في الأساس على عوامل ذات طابع ذهني و فكري

– وان صياغة المشكلات النفسية تكون في صور من المقدمات الخاطئة والنزوع الى الخبرات الخيالية المشوهة .

وبالتالي يساعد المعالج المريض على التعرف على تفكيره الملتوي ، وعلى تعلم طرق اكثر واقعية في صياغة خبراته.ان السلوك غالبا ما يسبقه تفكير ومن ثم تغيير نمط التفكير يتبعه تغيير في نمط السلوك.

 

تعتمد هذه المدرسة العلاجية على عدة تقنيات “وهذه التقنيات يرى اصحب الراي المعارض للعلاج المعرفي انها لا تناسب الانسان العربي المطحون” وسنذكر هنا بعضا من تلك التقنيات :

النمذجة: وهواسلوب يتضمن تعلم السلوك من خلال محاكاة الآخرين.

اسلوب التنفير: حيث يتم تناول سلوك غير مرغوب ويتم مزاوجته بنتيجة غير مرغوبة ويجعله مقترنا بها مما يجعل السلوك غير مرغوب فيه الثواب والعقاب.

إعادة البناء المعرفي: وتركز على تعديل تفكير العميل واستنتاجاته اي المقدمات والفروض او المعتقدات والاتجاهات التي تبنى عليه معارفه.

الاسترخاء: وهي تقنية تساعد الشخص في التخلص من مشاعر كالخوف والقلق حيث يتم تعديل الافكار المرتبطة بتلك المشاعر والشخص في حالة استرخاء.

التوكيدية: هي تأكيد الذات و القدرة على التعبير عن المشاعر و الأفكار بدرجة عالية من الصحة النفسية و الفاعلية.

الى غير ذلك من الفنيات المتنوعة التي قامت عليها هذه المدرسة العلاجية.

 

ثانيا: الاساليب التي اعتمد عليها الخطاب الإسلامي:

إن الخطاب الإسلامي بشقيه القرآني والنبوي كان له منهجا مميزا في التعامل مع العقل العربي (وهذا لا يعني بالمرة انه خطاب موجه للعقل العربي فقط)

فالخطاب القرآني باعتباره” آيات مصرّفة بالأمثال والمواعظ والحِكم، والأخبار والأوامر والنواهي، ذو وظيفة إيقاظيّة في الفرد والمجتمع. توجّه إلى الفرد العربيّ كائناً اجتماعيّاً، بمكوّناته الاعتقاديّة والثقافيّة التي تشكّل هويّته القوميّة، وأعاد صياغتها ودفعها إلى العالَم بهويّةٍ أخرى، واعتقاداتٍ مختلفة. وأبرز من هذا كلّه أنّه أعاد ترتيب مناهج التفكير والنظر الإنسانية “(سعد الكموني ،موقع ديوان العرب).

الشيء نفسه نلاحظه في الخطاب النبوي سواءا كفعل قام به الرسول الكريم صلوات الله عليه ، او ما قاله ، أو سكت عنه ، أو اقره عليه السلام .

ان الدعوة الإسلامية برغم عالميتها الا اها انطلقت في خطابها بخطاب العقل العربي والعقل العربي آنذاك كان غارقا في في الجهل من الناحية العقائدية ومن الناحية العلمية ، فقد عُرف العرب آنذاك بين الامم وكما هو حاصل الآن بما يمكن تلخيصه فيما نسب الى أحد ملوك الهند حين كتب كتاباً إلى “عمر ين عبد العزيز”، جاء فيه : لم تزل الأمم كلها من الأعاجم في كلّ شق من الأرض لها ملوك تجمعها ومدائن تضمها وأحكام تدين بها وفلسفة تنتجها وبدائع تفتقها في الأدوات والصناعات، مثل صنعة الديباج وهي أبدع صنعة، ولعب الشطرنج وهي أشرف لعبة، ورمّانة القباّن التي يوزن بها رطل واحد ومائة رطل، ومثل فلسفة الروم في ذات الخلق والقانون والاصطرلاب الذي يعدل به النجوم ويدرك به الأبعاد ودوران الأفلاك وعلم الكسوف وغير ذلك من الآثار المتقنة، ولم يكن للعرب ملك يجمع سوادها ويضم قواصيها، ويقمع ظلمها وينهى سفيهها، ولا كان لها قط نتيجة في صناعة و لا أثر في فلسفة إلا ما كان من الشعر. و قد شاركتها في العجم، وذلك إن للروم أشعارا عجيبة قائمة الوزن و العروض فما الذي تفتخر به العرب على العجم فإنما هي كالذئاب العادية، و الوحوش النافرة، يأكل بعضها بعضا و يغير بعضها على بعض……… “(جواد علي التالي-المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام).

 

لكن هذه الدعوة اعتمدت بشكل مباشر على مخاطبة العقل وتصحيح المفاهيم السائدة في ذلك العصر كما اعتمدت على تعديل سلوكيات شتى وفيما يلي بعض الاساليب التي اعتمد عليها الخطاب الإسلامي والتي نجد أنها تندرج تحت فنيات العلاج المعرفي السلوكي:

1- النمذجة: كان جانب أساسي من السنة النبوية يقوم على فكرة النمذجة حيث امرنا ان نقتدي بالرسول الكريم صلوات الله عليه “لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة” كقوله عليه الصلاة والسلام “صلوا كما رايتموني أصلي”

2- الثواب والمكافأة: ان الآيات القرآنية والاحاديث النبوية زاخرة بذكر انواع المكافآة التي تنتظر من عمل صالحا.

3- التدعيم: كان الرسول صلى الله عليه عندما يرى ان احدا من اصحابه قام بسلوك ايجابي يدعم فعله ذاك بالثناء عليه ومدحه امام باقي الصحابة رضوان الله عليهم كما نزل الوحي مدعما لقول او عمل قام به احد الصحابة كعمر رضي الله عنه.

4- التنفير: اننا نلاحظ غالبا في الآيات أو الأحاديث التي تتحدث عن محرم تقرن ذلك الشيء المحرم باقبح الصفات وبكلام ومشاهد منفرة ،كحديث الغيبة حيث اقرن الرسول الكريم صلوات الله عليه الغيبة باكل لحم الاخ المسلم الذي اغتيب . وكذلك نلاحظ ذلك في الوصف التفصيلي لعذاب جهنم في القرآن الكريم عبر استخدام مشاهد شديدة التنفير والترهيب.

5- التوكيدية والثقة بالنفس: ويظهر ذلك في ما جاء في حديث الرسول – صلى الله عليه و سلم – :”لا تكونوا امعة تقولون :ان احسن الناس احسنا وان ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا انفسكم ان احسن الناس ان تحسنوا وان اساءوا فلا تظلموا”

6- تصحيح المفاهيم: وامثلة ذلك كثير في الحديث والسنة ففي قوله تعالى “قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولو اسلمنا……”.الآية يظهر تصحيح لمفهوم الايمان والاسلام، وكذلك في الحديث الشريف عندما يصحح للمسلمين مفهوم الشدة والقوة “ليس الشديد بالصرعة وانما الشديد من يمسك نفسه عند الغضب”

7- البناء المعرفي: من خلال تصحيح التشويهات المعرفية التي كانت سائدة واهمها الافكار الغير المنطقية حول تعدد الآلهة “والهكم اله واحد” وكذلك التصورات حول التطير مثلا .

8- الاسترخاء : وذلك للتغلب على الغضب والتوتر من خلال الصلاة لما لها من ارتباط شرطي بين حالة السكينة والخشوع وبينها (اي الصلاة) اضافة الى ما امربه الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلوس واو الاضطجاع او الغسل لمعالجة الغضب مما يوفر للشخص حالة من الاسترخاء.

9- التدرج التحصيني: يظهر ذلك في معالجة الاسلام لادمان الخمر الذي كان منتشرا عند العرب حيث التدرج في تحريمه والتنفير منه.

10- المناظرات: وذلك من خلال مجادلة ومحاورة المشركين واهل الملل الاخرى لاقناعهم بالدين الاسلامي وكما حث الله تعالى المسلمين على الدعوة إليه بالحكمة في قوله تعالى “وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”الآية .

11- الواجبات: إن الشريعة الإسلامية تقوم على واجبات في صورة عبادات وغيرها يقوم المسلم بها يوميا كالصلاة والوضوء مثلا.

12- الدعوة للتامل في النفس وفي الكون: ويظهر ذلك في قوله تعالى “وفي انفسكم افلا تبصرون” وهي دعوة صريحة لكل انسان ان يتامل نفسه ويعرف سماتها وايجابياتها وسلبياتها وكل مكوناتها كما يدعو سبحانه الى التفكر في آياته الكونية بعتبارها دالة على خالقها في قوله تعالى:”ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهاروالفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ما انزل الله من السماء من ماء فاحيا بها الارض من بعد موتهاوبث فيها من كل دابة والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون”.

13- الرسول صلوات الله عليه معالجا: كان عليه الصلاة والسلام محبا محترما لكل انسان يحث على التعاون والمشاركة الايجابية, قال الله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ).

الى غير ذلك من الفنيات والتقنيات التي تجاوب معها العقل العربي وقبلها وحينما التزم بها كمسلم ساد الارض وبنى حضارة في وقت قياسي باعتبار قانون بناء الحضارة , فكيف ناتي اليوم وندعي ان العقل العربي لا يرتقي الى علاج يقوم على تصحيح المفاهيم والمعتقدات وعلى تصحيح السلوك .أليس هذا نوع من جلد الذات؟؟؟!!!

بقلم: فاطمة الشيخ