د. هند الميزر: التدخل المهني لتأهيل الأطفال المصابين بالسكري اجتماعياً يتطلب فترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر

 

توصلت دراسة سعودية إلى أن التزام الأطفال المصابين بمرض السكري بإجراءات العلاج تؤثر فيه مجموعة من العوامل الصحية والنفسية والاجتماعية، وأن هناك تأثيراً متبادلاً بين مختلف العوامل، فهناك علاقة متبادلة بين الالتزام بسلوكيات العلاج، ومدى المعرفة بالمرض، ومستوى الضغوط النفسية التي تواجه الطفل وأسرته، بالإضافة إلى الظروف الاجتماعية التي تحيط بالأسرة ونوعية العلاقات الأسرية وقدرة الأسرة في تنفيذ مسؤوليات العلاج، وتحويلها بالتدريج إلى الطفل للعناية الذاتية.

الدراسة أجرتها الباحثة هند الميزر المحاضر في كلية الخدمة الاجتماعية في الرياض ونالت بها درجة الدكتوراه .

 

وتحددت مشكلة الدراسة بقياس مدى فاعلية التدخل المهني لخدمة الفرد باستخدام العلاج المعرفي السلوكي مع الأطفال مرضى السكري (النوع الأول Type 1 ) لتأهيلهم اجتماعياً ، وانطلقت الباحثة اعتباراً من أن مرض السكري يعد من الأمراض المزمنة التي تصيب الأطفال، ويحتاجون إلى تهيئة مناخ اجتماعي ونفسي ملائم يساعدهم على اجتياز أزمة المرض في مراحله الأولى، وكيفية التعايش معه، كما يحتاجون إلى الالتزام بسلوكيات الرعاية الذاتية من: قياسات يومية متكررة، لقياس نسبة السكر بالدم، وتسجيل النتائج، وحقن يومي بحقن الأنسولين، وتقيد بنظام غذائي ورياضي ومراجعة طبية منتظمة، وهذه السلوكيات تفرض على الطفل المريض قيوداً ومشاعر سلبية تنعكس على استجاباته نحو مهام العلاج، وعلاقاته الاجتماعية بالآخرين، سواءً بأخوته أو بأقاربه أو بأقرانه.

 

لذا اختارت الباحثة التدخل المهني مع الأطفال مرضى السكري (النوع الأول) ، في مستشفى قوى الأمن بمنطقة الرياض ، باستخدام أساليب العلاج المعرفي السلوكي لتأهيلهم اجتماعياً للتعايش مع المرض وتقبل إجراءاته العلاجية، وتتبلور أبعاد التأهيل في: خفض حدة المشكلات الطبية، خفض حدة المشكلات النفسية، التقليل من حدة المشكلات الاجتماعية.

 

ومن النتائج التي توصلت لها الدراسة فيما يخص الخصائص الاجتماعية للعينة : وجد أن جميع حالات الدراسة تقع أعمارهن ما بين 10-12 سنة و تمثل هذه الفئة مرحلة الطفولة المتأخرة، وجميع مفردات العينة في المرحلة الابتدائية، وهذه الخصائص تجعل عينة الدراسة قابلة للتعلم والتدريب وتعديل السلوك واكتساب سلوكيات جديدة، أما بالنسبة للجنس فقد تم اختيار فئة واحدة من الإناث لاعتبارات دينية وثقافية ومجتمعية ، ومن حيث نوع المرض فجميع حالات الدراسة مشخصة بالنوع الأول من السكري والمعتمد على الأنسولين،  أما عدد مرات تعاطي حقن الأنسولين يومياً لعينة الدراسة فقد اتضح أن 70٪ من العينة تحتاج إلى حقن الأنسولين مرتين يومياً وهي الغالبية، في حين أن نسبة 30٪ من عينة الدراسة تحتاج إلى ثلاث مرات يومياً من جرعة الأنسولين، مما يعكس ضرورة الالتزام اليومي بإجراءات الحقن، وأهمية تعلم مهارة سلوكيات الحقن، و إزالة المشاعر السلبية التي تسبق هذه العملية.

 

وتوصلت مستخلصات الدراسة إلى نقاط أخرى مهمة حيث اتضح إمكانية تطبيق أساليب العلاج المعرفي السلوكي، مع الأطفال مرضى السكري، لأنها ترتبط بتغيير البنية المعرفية للطفل وتعديل سلوكه، وتعتمد على أساليب تعليمية تناسب المرحلة العمرية (8-12) ، كما اتضحت فاعلية تناول وعلاج مشكلات الأطفال مرضى السكري، من خلال المقابلات الجماعية والأنشطة التعليمية كأدوات لإحداث التعديل في سلوك الطفل بصورة مباشرة، وتتفق مع طبيعة الطفل في هذه المرحلة العمرية (10-12).

 

وأكدت الدراسة على أهمية العلاقة المهنية، وتكوينها مع الطفلة والأخصائية الاجتماعية عند تطبيق برنامج التدخل المهني في خدمة الفرد، تلك العلاقة التي تشعر فيها الطفلة بالألفة تجاهها، وتكون أداة رئيسية للتأثير والتغيير والتعديل في سلوك الطفل ، وكذلك أهمية تكوين علاقة مهنية مع الأمهات، مبنية على التقبل والتجاوب مع الباحثة، لتساعد على تحقيق الأهداف،حيث تعتبر مشاركة الأمهات عنصراً رئيسياً في تحقيق أهداف العلاج وفي تنفيذ مسؤولياته والتدريب على تحويل تلك المسؤوليات بالتدريج إلى أطفالهن المرضى.

 

واتضح أيضاً أن فاعلية التدخل المهني ترتبط باستخدام العلاج المعرفي السلوكي، لتحقيق التأهيل الاجتماعي للأطفال مرضى السكري، بنوعية الأساليب العلاجية المستخدمة ومدى مناسبتها لخصائص المرحلة العمرية التي تمر بها الطفلة، وقد توصلت الدراسة إلى فاعلية الأساليب التالية: (إحداث تغيير في المحتوى المعرفي من حيث: المعرفة بالمرض وكيفية التعامل مع نظام العلاج (سلوكيات العلاج بالدواء، سلوكيات العلاج بالغذاء، سلوكيات العلاج بالرياضة) باستخدام أسلوب التعلم المعرفي من خلال الوسائل التوضيحية وأشرطة الفيديو التعليمية لاكتساب السلوك المشاهد، الشرح والتوضيح والمناقشة،وتشكيل الاستجابة – النمذجة لاكتساب السلوك المشاهد، من خلال عرض نماذج تعليمية وإرشادية – التعلم الذاتي الموجه لتحديد المهام للممارسات اليومية، باستخدام المدعمات الإيجابية – التدريب التحصيني ضد الضغوط، للتعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية، نحو متطلبات الالتزام بالعلاج – التدعيم والتشجيع وتقديم المكافأة على الاستمرار في السلوكيات المطلوبة، وفي المحافظة على مستوى لنسبة السكر بالدم قريبة من المستوى الطبيعي).

 

واتضح أن التدخل المهني بتطبيق العلاج المعرفي السلوكي مع الأطفال مرضى السكري لتأهيلهم اجتماعياً يحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن ستة أشهر، لتحقق أهداف البرنامج العلاجي وترتبط بمراحل مختلفة (التمهيد لنمو العلاقة المهنية، مرحلة تقدير الموقف، مرحلة التدخل المهني، مرحلة التقييم وإنهاء التدخل والمتابعة) وجميعها مراحل تحتاج إلى فترة زمنية كافية، لتحقق التأهيل الاجتماعي للأطفال المرضى للتعايش مع المرض واكتساب سلوكيات العلاج.

 

ويجب ألا يقتصر برنامج التدخل المهني للتأهيل الاجتماعي للأطفال مرضى السكري، على فترة زمنية واحدة وإنما ينفذ على فترات متتالية، بهدف تتبع الحالات ومساعدتها على الاستمرارية في سلوكيات العلاج، وحل المشاكل التي تواجهها. وقد رأت الباحثة أن تطبيق مدخل العلاج المعرفي السلوكي، ما زال محدوداً في المجال الطبي في المجتمع السعودي، ويحتاج إلى المزيد من الدراسات والبحوث التطبيقية، مع مختلف حالات المرضى بأمراض مزمنة من الكبار والأطفال من الجنسين، حتى يمكن الخروج بنتائج تثري الممارسة في هذا المجال ، لذلك أثارت الدراسة في ختامها مجموعة من القضايا والتساؤلات التي قد تصلح لبحوث مستقبلية.

 

المصدر: جريدة الرياض