نيويورك: بينيدكت كاري*

بعد عام من الشكوك التي حامت حول دور أدوية الاكتئاب في زيادة خطورة ارتكاب محاولات الانتحار، صدرت دراسة جديدة تظهر أن جلسات العلاج النفسي بالمحادثة المتبادلة مع المريض توفر أكبر ضمانة وأفضل فرصة لإنقاذ حياة من هم على درجة عالية من خطورة الإقدام الجدي على التخلص من حياتهم. ويلغي هذا النوع من العلاج خطورة محاولات الانتحار بمقدار النصف لدى المرضى المصنفين بأن لديهم رغبة عالية في الانتحار والذين غالبيتهم ممن يتناولون أدوية لعلاج الاكتئاب كما ذكرت الدراسة.

الدراسة التي نشرت في عدد الثالث من أغسطس في مجلة رابطة الطب الباطني الأميركية تعد أكبر دراسة وأدق فحص لاختبار جدوى هذه الوسيلة من وسائل العلاج النفسي بين مجموعة الناس الذين تمثل محاولاتهم التخلص من الحياة أمراً جاداً لدرجة وصولهم بالنتيجة إلى المستشفى على حد قول الخبراء.

وكان من عادة الدراسات النفسية حول الاكتئاب أن تستثني هذه المجموعة من الناس، وجانب من السبب في هذا يتمثل في أنهم يمثلون مجموعة من المرضى الأكثر عرضة لقتل أنفسهم، فالنسبة تتراوح لديهم ما بين 30 إلى 40 مرة مقارنة بمن لم يعمدوا إلى القيام بمحاولات جادة في الانتحار من مرضى الاكتئاب.

وعلق على الأمر ستيفن هولون بروفيسور الصحة النفسية بجامعة فاندربلت وهو ممن لم يشاركوا في الدراسة بقوله: بالإمكان إلغاء نصف محاولات الانتحار بين هؤلاء الناس عبر ما يتراوح ما بين 8 إلى 10 جلسات من العلاج، وأضاف: هؤلاء هم الناس الذين لم تشملهم 90% من الدراسات التي تمت، والذين لو لم تتم دراستهم لما كان بإمكاننا أن نعرف ما يجدي لديهم، فلا مجال للتخمين أو إحسان الظن هنا.

في هذه الدراسة قام المتخصص في العلاج النفسي الدكتور غريغوري براون وطبيب الامراض النفسية الدكتور أرون بيك وكلاهما من جامعة بنسلفينيا بقيادة مجموعة من الباحثين التي تابعت 120 شخصا ممن تم جلبهم إلى قسم الطوارئ في المستشفى الجامعي بعد محاولتهم قتل أنفسهم. تميز المرضى هؤلاء بأن لديهم العديد من المشاكل كالإدمان على المخدرات والاكتئاب أو التشرد. نصفهم تمت متابعته الطبية وفي حال دعت الضرورة تم تحويلهم إلى قسم خدمات الاستشارة. أما النصف الآخر فتم مرة كل أسبوع تقريباً إخضاعهم لعلاج ذهني عبر جلسات تشاورية مع المتخصص النفسي يتعلمون من خلالها آليات التخلص من الأفكار المحطمة للذات للحيلولة دون تأثيرها فيهم. وحرص الباحثون أن يتم التركيز على حياة الأشخاص من ناحية الآمال والمخاوف وبالأخص العوامل التي دفعتهم إلى محاولة قتل النفس كما أوضح ذلك الدكتور براون، وأضاف إن الرجل حينما ينتابه شعور باليأس بعد مجابهة مشكلة من أي نوع فإنه سيعلم أن هذا الشعور هو ما سيدفعه إلى تناول الأدوية التي تعالج الاكتئاب وهي ما ستجعل الأمر أكثر سوءاً في الحقيقة. ومع قرب انتهاء فترة العلاج النفسي هذا كما في الدراسة سيتخلص المريض المشارك من الإحساس بمعظم اللحظات المؤلمة مما سيتيح له الفرصة لفهم الأفكار المتصارعة المؤدية للانتحار وبالتالي ابتكار استراتيجيات جديدة لإبعاد نفسه عن الانغماس في التفكير فيها. ثم بعدها سنرى كما يقول الدكتور بيك إذا ما تمكنت هذه الأساليب من تقليل الشعور بفقدان الأمل، وإذا تحقق هذا يمكن أن تنتهي الحاجة إلى العلاج. ووصف الأمر برمته أنه أشبه ما يكون بإعادة تخطيط الثوب من جديد، والمريض الذي تحصل لديه أخطاء أو نقص في عملية إعادة تخطيط الثوب يستمر في العلاج لمدة أطول حتى إتمام العملية المطلوبة على حد قوله.

الباحثون تابعوا كلا المجموعتين وتتبعوا تفاصيل تكرار محاولات الانتحار، فبعد سنة ونصف السنة حاول الانتحار فقط 13 شخصا من الذين تلقوا العلاج بينما من المجموعة التي لم تتلق جلسات العلاج النفسي حاول 23 شخصا الانتحار. وبالجملة فإن من تلقوا العلاج كانت لديهم مؤشرات أفضل لمستوى اكتئاب المزاج وفقدان الأمل.

وحينما بحثوا بين مجموعة الأشخاص ممن يعانون من مشاكل غير ثابتة في الشخصية تلك التي تحمل في طياتها خطورة عالية لمحاولة الانتحار فإنهم وجدوا أن تلقي العلاج يقلل من محاولات قتل النفس، لكن المدة الزمنية للعلاج والجهد فيه كان أطول وأكبر للوصول إلى تحقيق النتيجة المرجوة، فالعلاج حينها سيستغرق عادة أكثر من سنة ونصف السنة.

وفي هذه الدراسة على حد قول الدكتور بيك فإن مدة العلاج الزمنية كانت قصيرة لأن من لديهم مشاكل في الأدوية هم عادة مهمشون اجتماعياً ولا صبر لديهم أو طاقة على حضور جلسات مطولة من العلاج. والباحثون يعكفون على وضع معالم خطة دراسية لبحث يتناول حالة المرضى في مراكز الصحة النفسية في المجتمعات وإجراء عمليات تدريب لتعليم المعالجين كيفية إتمام تقنيات العلاج للمرضى بعد دخول المستشفى نتيجة الإقدام على محاولة الانتحار، وهو ما سيكون على حد قول الدكتور بيك اختبارا حقيقيا في عالم الواقع.

 

المصدر: جريدة الشرق الأوسط