“المؤتمر الأوروبي السابع والأربعون للعلاج المعرفي السلوكي-EABCT 2017 ”

13-16 سبتمبر 2017

0

أهلا بكم جميعا

حديثي اليوم عن مؤتمر يعتبر من أرقى المؤتمرات العلمية في أوروبا تأسس عام 1976م، تأسس على يد مجموعة من المعالجين النفسيين من ألمانيا وهولندا وبريطانيا، وكان يطلق عليه المؤتمر الأوروبي للعلاج السلوكي حتى تم إضافة كلمة “المعرفي” عام 1992م، وعدد أعضاءه 25 ألف شخص متخصص، المؤتمر هو تجمع للباحثين والمعالجين النفسيين حول العالم لعرض آخر البحوث والاتجاهات العلمية القائمة على البراهين في العلاج المعرفي السلوكي بشكل خاص، المؤتمر يعقد سنويا، بحيث يتنقل بين كثر من دولة أوروبية كل سنة، وكان يفترض أن يتم عقده هذه السنة في اسطنبول-تركيا، إلا أن الأحداث غير المستقرة وعقب التفجير الذي حصل في ليلة رأس السنة الماضية تردد الكثيرون في المشاركة العلمية مما اضطرت اللجنة المسؤولة عن المؤتمر لنقله من اسطنبول إلى لوليانا عاصمة سلوفينيا، وقد وضعوا جملة تقول “إن هذا القرار لأجل أن نتحد لا أن نتفرق” بسبب الجدل حول إقامة المؤتمر في تركيا أم لا. أيضا سيعقد هذا المؤتمر السنة القادمة 2018م في صوفيا عاصمة بلغاريا.

المؤتمر ورغم أنه لمدة أربعة أيام فقط فإنه يحوي على 27 ورشة عمل، يقدمها 15 عالم نفس ومعالج، والعديد من جلسات النقاش العلمية، أبرزهم جوديث بيك، روبرت ليهي، بول سالكوفسكي، وغيرهم الكثيرين، وقد تم الاعلان أن الخط الرئيسي للمؤتمر هو “ردم الفجوة بين الانتشار والممارسة الجيدة”، السبب أن هناك قلق من انتشار العلاج المعرفي السلوكي على حساب جودة عمله كما جاء في تصريح لرئيس المؤتمر.

4

بحمد الله حضرت المؤتمر ، وسبعة ورش عمل وهي:

  1. الممارسة الجيدة للعلاج بالتعرض الحقيقي والتخيلي. جونثان هوبرت.
  2. العلاج المعرفي السلوكي للأعراض غير المفسرة، دمج الاستراتيجيات الجوهرية مع المشكلات المحددة. سالكوفسكي.
  3. البنية التخطيطية للمشاعر. روبرت ليهي.
  4. العلاقة العلاجية في العلاج المعرفي السلوكي في ضبط لنقلة والنقلة المضادة (التحويل والتحويل المضاد) – روبرت ليهي.
  5. العلاج المعرفي السلوكي للقلق الاجتماعي. ستيفان هوفمان.
  6. أهمية المرونة النفسية لفهم واستعمال العلاقة العلاجية. ستيفان هايس.
  7. الطريق إلى السعادة، تسهيل المشاعر الإيجابية في العميل. تامي رونان.

 

قابلت الدكتور روبرت ليهي، شخصية رائعة ومتواضعة، مؤدب، عندما يتحدث في المحاضرة فإنك لا تمل من سماع تجاربه وخبراته ولا تتوقف يدك من الكتابة ورائه، غزير يختار كلماته بعناية، هادئ. عندما تحدث عن العلاقة العلاجية مع العميل ذكر أن بعض المعالجين جيدون في التواصل مع المرضى، وبعضهم لا، وربما كنت متميزا في عملك كمعالج لكنك ليس بالضرورة أن تكون متميزا في تواصلك مع المرضى، من المعالجين من يكز على التقنيات في الوقت الذي ينبغي أن يكون تركيزه على شخص المريض أنه إنسان. لا يهم كم نقاشاً فزت فيه ولا مستوى ذكاءك المهم كونك معالجاً هل استطعت الوصول للمريض؟ هل استطعت فهمه؟.

1

هناك من هو حاد تجاه نفسه، ويظل حادا تجاه الآخرين، ويظل حادا تجاه المرضى أنفسهم، لأنه لا يدرك أنه لا يعرف كيف يتعامل مع مشاعره، لماذا يثق بك المريض؟ وهل تعتقد بعد جلسات من العلاج أنك فهمت المريض كاملا؟ في الحقيقة لا يوجد من يفهم المريض بشكل كامل، لأننا لا نفهم أنفسنا بشكل كامل. بعض المرضى لديه قلق أنك ستقوده للأسوأ، بعض المرضى ربما يحسدونك أن حياتك، مشاعرك، حالتك النفسية مستقرة وهم لا، بعض المرضى يخافون أن يثقوا بك لأنهم يخشون أن يصابوا بخيبة أمل. إن أغلب ما يحصل لمريض أنت لا تعلمه، لست معه، مهما قلت له ثق بي، لا تظن أن الثقة تأتي هكذا، من المهم جدا أن تهتم كمعالج بتوقعات المريض، المريض لن يأتي إليك للعيادة ليخبرك أنه يعاني من تشوهات معرفية وافكار لا عقلانية! يوميا لدينا أفكار لا عقلانية، المريض يأتي للعيادة لأن مشاعره مضطربة وعلاقات متأثرة. بعض المعالجين يتعاملون مع المريض بعقلانية متطرفة لدرجة يفقد معها المريض.

 

أيها المعالج إنك تفقد المريض إذا قلت له تجاوز مشكلتك! المسألة بسيطة! هذه مبالغة! هل تعلم ما الفرق بينك كمعالج وبين المريض في الاضطرابات التي يمر بها؟ لا فرق، اللهم أنت مررت بنفس المشاعر والأفكار وتجاوزتها أما هو فبقي فيها فتعريفه لنفسه مختلف عنك، وإذا أردنا أن نربط كثير من أمور حياتنا اللاعقلانية بمشاعرنا فعلينا أن نوجد لها معنى.

البحوث تشير أن الأشخاص الذين لديهم من يحبهم ويدعمهم هم أقل عرضة للاكتئاب، هناك مرضى يعتقدون أن وضعهم ثابت، وبعضهم يعتقد أن وضعه متغير، بعضهم يركز على الماضي، وبعضهم يقول لو تغير الطرف الآخر سأكون سعيدا، كل مريض له زاويته “كيف سيتغير”، تحدث ليهي أيضا Role of Resistance وتكلم أن بعض المعالجين رغم أنه يطبق الجلسة العلاجية بحذافيرها لكنه يصل إلى لا شيء، إنها مقاومة التغيير، يرفضون حتى المخاطرة، وينسون أن بقائهم دون تغيير بحد ذاته مخاطرة أكبر، أصعب المرضى من يرى نفسه ضحية أو على حق دائما.

وأضيف عن تجربة حضور مع أشهر من جمعوا بين اثنين، مهارة العلاج النفسي، ومهارة البحث العلمي، ولا أعتقد أنه يوجد باحث في العلاج المعرفي السلوكي لم يقرأ لبحوثه أو يستشهد بها لكثرتها، إنه بول سالكوفسكي Paul Salkovskis بروفيسور في جامعة Bath البريطانية، إذا تحدث لا تود أن يصمت، جهوري الصوت، غزير العلم، حاضر الشخصية بقوة، محاضرته لا تمل، الزحمة عليه كبيرة، يجمع بين الفائدة وروح الدعابة، قام بالعديد من البحوث، كان يقول إذا أن المجتمع إذا أراد النهوض بالعلاج النفسي فلا يكفي وجود عيادات علاجية، بل لا بد من وجود عيادات علاجية نفسية وبحثية، هناك العديد من البيانات المهدرة، لأن العيادات ليست بحثية. عندما التقيت به أخبرني وعلم أني من السعودية قال أنه ذهب إلى جدة سابقا.

3

تحدث سالكوفسكي عن نوبات الهلع وكيف قام بعدة بحوث في غرفة الطوارئ وذكر أنه مجال خصب للبحث العلمي فمن بين كل أربعة أشخاص يعانون من ألم بالصدر هناك واحد منهم لديه نوبات هلع، وأن الفرق بين نوبات الهلع والقلق المرضي Anxiety Illness هو نظرته لمدة وقوع الخطر فمن لديه نوبات هلع يعتقد أنه سيموت الآن، بينما من لديه القلق المرضي فيعتقد أنه سيموت لكن بعد برهة، ذكر أن القلق يزداد عند المرضي عند عدم وجود بدائل تفسر مشكلته، هدف المعالج هنا هو مساعدة المريض في إيجاد بدائل تفسر ما يعاني منه. والسؤال المهم في علاقتك مع العميل ليس أن تخبره أن ما يؤمن به حقيقي أو خيالي ولكن أن تجعله يكتشف ما الذي يعني له هذا أو ذاك التفسير بالنسبة له، ماذا تمثل له، What does it mean to you? دور المعالج ليس أن يعمل تجاه اضطرابه، دور المعالج أن يعمل هو والمريض من جهة معا وسويا أن يعملا تجاه الاضطراب من جهة أخرى. لا تنس أيها المعالج كما أنك تقيّم المريض فإنه أيضا يقيّمك.

 

تكلم سالكوفسكي عن الأطفال وذكر أن أفكار الأطفال في قلقهم المرضي شبيهة بالبالغين لكن مشكلتهم في عدم قدرتهم على التعبير عنها لذلك لا تسألهم ما الذي يدور في ذهنك؟ لكن اسألهم بعد أن تعرض عليهم عدة خيارات ليختاروا منها وبهذا تساعدهم على التعبير.

 

ومن جانب آخر ومع عالم نفسي آخر يعد كيث دوبسون Keith Dobson أحد كبار الباحثين في علم النفس الاكلينيكي ورئيس جمعية علم النفس الكندية ومحاضر في جامعة كالغاري ولديه 14 كتاب مؤلف وأكثر من 200 بحث علمي منشور، دراساته تنصب حول ميكانيزمات الاكتئاب، وله مساهمات كبيرة في تطوير مفاهيم الاكتئاب في عصرنا الحديث، تحدث دوبسون عن الاكتئاب وذكر أن من أبرز مخاطر الاصابة بالاكتئاب هي الضغوط ومن أبرز مخاطر الانتكاسة هو عدم انتظام النوم Dysregulation of sleep ، وذكر أنه رغم أول مقال عن العلاج المعرفي السلوكي لبيك عام 1970م ثم ظهور كتابه عام 1979م كان الاتجاه حول التشوهات المعرفية، لكننا نعلم الآن أن الاكتئاب ليس فقط تشوهات معرفية، بل قد يصاب الإنسان بالاكتئاب ولا يوجد لديه تشوهات معرفية، لكن لديه مشكلة في حل المشكلات ويحتاجون أن تعلمهم كيف يتجاوزون مشكلاتهم، ولديهم مشكلة في نقص مهارات التأقلم وليس تشوه معرفي Biases .

7dobson

أما عن مستقبل العلاج المعرفي السلوكي وذكر أنه بعد عشرين سنة من الآن لن يكون لمصطلح CBT وجود حيث سيدمج في طرق علاجية أخرى، السبب أن العلاج المعرفي السلوكي الحماس له لم يعد كالسابق، تأثيره كعلاج ليس كالسابق بل ظهرت علاجات أخرى تجاري العلاج المعرفي السلوكي مثل العلاج بحل المشكلات Problem solving therapy، التيقظ للاكتئاب Mindfulness for depression، نموذج الاجترار Rumination focused CBT، سبب هذا التراجع:

  1. وعي الناس ارتفع في السابق لم يكن أحد يعرف شيئا عن هذا النوع من العلاج أما الآن فتجد المعلومات عنه متوفرة حتى للعامة
  2. . الحالات التي اعتمدت عليها الدراسات السابقة في تدعيم العلاج المعرفي السلوكي كانت حالات اكتئاب نقية ومباشرة وقد استبعدت حالات الأكثر تعقيدا أو الغير واضحة،
  3. الجيل القديم كان أكثر حماسا أما الجيل الجديد فلم يعد يتقيد بالإرشادات الدقيقة للعلاج المعرفي السلوكي، هناك ما يقارب من 945 مركب للاكتئاب Combination، العلاج المعرفي السلوكي لا يملك لجميعها حلولا، لذلك كان من المهم إيجاد نماذج علاجية أخرى تخدم تلك المسارات الجديدة.

ذكر دوبسون أن على المعالج ألا يعتمد على عامل واحد ليركز عليه لعلاج الاكتئاب، ونحتاج الابتعاد عن CBT التقليدي، على المعالج تحديد العامل المساعد الذي يعاني منه المريض في إصابته بالاكتئاب فكما ذكرنا سابقا قد يركز المعالج على التشوهات المعرفية في الوقت الذي يكون سبب اكتئاب المريض هو ضعفه في حل المشكلات التي قادته للاكتئاب، مع ملاحظة أن الإصابة الأولى للاكتئاب الجسيم تختلف عن بقية النوبات اللاحقة التي لا تحتاج لمحفز قوي لظهوره، لنأخذ عامل التجنب مثلا Avoidance هناك أنواع من التجنب هناك تجنب معرفي، وهناك تجنب شعوري، وهناك تجنب سلوكي.

النموذج الذي يعمل عليه دوبسون حاليا هو Systematic treatment selection model fit depression

 

أما فيما يخص تجربتي فأحب أن ألقي الضوء على بعض النقاط التي لفتت انتباهي في المؤتمر:

فيما يخص الحضور العربي فهو نادر، صادفت ما يقارب من 8 عرب من مصر وتونس والسعودية والكويت.

فيما يخص الأخصائيين النفسيين من غير حملة الدكتوراه لا يوجد أحد سواي.

لغة المؤتمر راقية وحذرة، لا توجد عبارات قطعية عند الحديث عن طريقة علاجية مثل “أبدا، حتما، لا يمكن، مستحبل، خطأ، الطريقة الصحيحة هي” اللغة المستخدمة راقية مثل “الأكثر دقة، الأقرب للصواب، تميل الدراسات إلى، لا تدعمها الدراسات، هناك اتجاه إلى، ليس دقيقا، المسألة تحتاج لمزيد من الأبحاث….الخ”، قارن ذلك في نقاشات بعض المتخصصين الذي يقارع كل شخص الآخر ليقول أن الإجابة المقدسة عندي.

أثناء إلقاء المحاضر للمحاضرة، يعم الهدوء أرجاء المكان، لا يوجد نقاش حاد، لا يوجد اعتراض متعدي، لا يوجد شخص يريد أن يستعرض علمه أمام المحاضر، يترك المحاضر يتحدث تلك مساحته، الحضور جاؤوا ليسمعوا للمحاضر وليس شخص آخر، هناك احترام وتقدير، الحضور أسماء قوية أيضا وليسوا مجرد طلبة، بل درجات علمية كبيرة في مجالها.

المحاضر إذا سُئل ولم يعرف الإجابة قال “لا أعلم”.

التواضع صفة عجيبة عند المحاضرين، لا يوجد برج عاجي ينظر من خلاله للآخرين، للأسف عندما كنا طلبة بعض حملة الدكتوراه لديهم طريقة جافة في التعامل مع الطلبة، المبتعث يتفاجئ من تعامل الدكاترة بالخارج فهو لم يعتد بل بعضهم يخبرك أن تناديه باسمه الأول المجرد دون لقب!.

رأيت أكثر من محاضر لم يكن يميل ل DSM5 كان يشرح ب DSM4 يبدو أن هناك جبهة معارضة للكتاب الأخير ولم تتقبله وهناك نقد عنيف تجاهه.

حضورك للمحاضرات في الخارج عمقها يرفع ذائقتك، بعد عودتي بأيام حضرت محاضرة عند دكتور لم أستطع اكمالها، خرجت من القاعة، ليس لشيء فيه فهو مجتهد بلا شك، لكن شعرت بسطحية لم أستطع تقبلها.

مما تعلمته أن الأدب قبل العلم، وأن الشغف هو وقود الاستمرار، وأنك تحتاج أن تعي أنك صاحب رسالة، وأن صنّاع القرار في المجال الصحي مغيبون تماما عن مفهوم العلاج النفسي وأهميته، وأن الخاسر الأكبر هو المجتمع.

شكرا للجميع، أتمنى أن أكون أفدتكم.

أسامة الجامع

أخصائي نفسي اكلينيكي – الدمام

تويتر @oaljama