مقدمة: في بداية العلاج النفسي تحت سيطرة التحليل النفسي لم يكن يسمح بمشاركة أفراد الأسرة في الحصص العلاجية. (جاكبسون و فروزات Jackobson&Fruzzette 1991). في هذه الفترة تزايد الاعتراف من مجتمع التحليل النفسي بمزايا العلاج المتواقت للأزواج بالرغم من انه كان منفصلا، مما حفز العلاجات الزواجية. بالرغم من التاريخ الطويل للعلاج الزواجي فإنه فقط خلال العقود الأخيرة بدأ المعترفون يتقبلون التناولات الزواجية و أصبحت ممارستها بشكل واسع. (الكايم.Elkaim 1995. ص314)
– هناك منظورين أساسيين حول الاضطراب الزواجي:
• المنظور الأول: يفترض العوامل داخل الشخصية Intrapersonel كأسباب للتوافق، و هو شائع عند المحللين النفسانيين و نظرية السمات حيث سمات شخصية كل طرف من طرفي الزواج تجمع لتؤدي للتوافق أو التنافر، و تعتبر العصابية من السمات الشخصية التي تبين أنها من أكثر السمات ارتباطا بالاستقرار الزواجي.
• المنظور الثاني: يهتم بالعلاقات بين الأشخاص و هو واسع الانتشار بين السلوكيين، حيث ينظر للعلاقات الزوجية المضطربة على أنها خلل وظيفي في تبادل السلوكات interpersonel و التي تتميز بنسبة عالية من العقوبات مقارنة بالمكافآت كما ينظر إلى الأزواج الذين يعانون من التوتر الزواجي بأنهم يفتقرون إلى المهارات الاجتماعية الأساسية و أنهم يميلون إلى الاستجابة و تبادل السلوك السلبي للقرين.
هذان المنظوران حول التوافق الزواجي ليسا متناقضين، فقد يكون المنظور الثاني وصفا للعمليات التي يعمل بها المنظور الأول. فالمستوى العالي من العصابية من طرف أحد الزوجين أو كليهما قد يؤدي إلى خلل وظيفي في التبادل السلوكي الملاحظ عند الأزواج المتوترين. من الواضح أن هناك عوامل أخرى شخصية أو موقفية قد تدخل في تطور التوتر الزواجي. حيث يستعمل الأزواج المتوترون تقنيات ضبط أكثر قسرية و يقومون بتفسيرات خاطئة في الاتصال مقارنة بغير المتوترين.
و ستعرض هنا بعون الله إلى النظريات التفاعلية و نبدؤها إن شاء الله بالنظرية السلوكية، نتناول وجهة نظر الحديثة للسلوكيين. ثم نعرج على النظرية المعرفية، فنتناول مواضيع التفاعل الزواجي و التقنيات العلاجية.
I. النظرية السلوكية: ترجع التدخلات العلاجية الأولى للعائلة لبداية الستينات والتي تمثلت في أعمال “وليامز” Williams 1959 و “بوردمان” Boardman 1962 و “لوفيبوند” Lovibond 1963، هذه التدخلات العلاجية الأولى في مجال الأسرة كانت في سياق معالجة المشكلات التي يطرحها الأطفال كثورات الغضب، العدوانية و التبول اللاإرادي، من جهة أخرى كان “ولب” Wolpe بداية من 1958 بدأ في مساعدة الأزواج باستخدام تقنيات سلوكية لمواجهة مواقف القلق. هذا النموذج بأخذ بعين الاعتبار العلاقات بين العائلة Interfamiliales و لكن هذا لا يعني أنه ينتمي إلى مجال العلاجات النظمية. المشكلات السلوكية تظهر بعد الخلل الوظيفي لبنية السلوك بين الأفراد من نفس العائلة أو بين الزوجين، البنية التي سوف تكون مصدرا للتعلم المكتسب و المعزز بفضل أعمال “ماهوني” Mahony 1874 و “مايكنبوم” Meichenbaum 1977، تفتح المعالجون السلوكيون على التناول المعرفي. فلم يعد اهتمامهم مقصورا على مثير-استجابة، و لكن أصبحوا يولون الاهتمام بالبنى المعرفية Shemas التي تلعب دورا بين هذا المثير والاستجابة. هذه البنى المعرفية التي تكونت من خلال التجارب السابقة والتي تعطى معنى خاص للمعيشة. (الكايم. Elkaim 1995. ص309)
– و يرتبط المجال السلوكي بثلاث مجالات محددة من مجال العلاج العائلي و الزواجي:
– تكوين الوالدين لمواجهة مشكلات الأطفال.
– مجال العلاج الزواجي.
– مجال المشكلات الجنسية.
1. ظهور العلاج الزواجي السلوكي:
بالرغم من امتداد تاريخ العلاج الزواجي إلى نهاية القرن التاسع عشر، فإن العلاج السلوكي الزواجي لم يظهر إلا حديثا جدا في نهاية الستينات مع تطبيق مبادئ التعزيز للمشكلات العيادية سنة 1969، حيث قدم “استيوارت” Stuart التطبيق الأول لمبادئ التبادل السلوكي على المشكلات الزوجية انطلاقا من نظريات “تيبوت و كيلي” Thibaut&Kelly 1959 حيث وضع استيوارت الفرضية التي مفادها: “أننا يمكننا التمييز بين الزيجات الناجحة من الزيجات المضطربة، من خلال مدى تكرار و سعة التعزيزات الإيجابية المتبادلة بين الزوجين”. و قد تمثل علاجه في الحصول على قائمة من أهداف التغير السلوكي من كلا الطرفين مع تبادل مكافآت كلما تحقق سلوك مرغوب، بالرغم من استبدال استرتيجية المكافئات، بالعقود المكتوبة، و التدريب على الحوار، وحل المشكلات، فإن رجوعها إلى تناول الإشراط الإجرائي، قد ترك بصماته على العلاج العائلي و العلاج السلوكي للأزواج. كما استخدم “ليبرمان” Liberman 1970 أسلوب التعلم الإجرائي في عمله مع العائلات، فقد استخدم مفهوم التعلم بالمحاكاة الذي وضعه “باندورا” Bandura 1963، و أضاف في علاجه للعلاقات الزوجية المضطربة استراتيجيات تكرار الدور و وضع بنى بديلة للاتصال ما بين الأفراد. تجدر الإشارة إلى أن استخدام الإشراط الإجرائي في تغيير السلوك عند الأطفال، قد أثر كثيرا على تطور العلاج السلوكي للأزواج بتعليم الوالدين كيفية تغيير سلوك أطفالهم، لاحظ الباحثين تبادل التعزيز و العقاب بين أفراد الأسرة، من هذا المنطلق لم يعد التركيز على ملاحظة الفرد المنحرف في الأسرة و الذي غالبا هو الطفل، و لكن حول بنى التفاعل للأفراد الآخرين من نفس العائلة، و التي تتضمن أيضا العلاقة الزوجية.(نظرية ساتيرSatir) و لكن تعتبر نهاية السبعينات و بداية الثمانينات، هي بداية تجمع المبادئ المبعثرة، و تطوير تقنيات عيادية حقيقية، حيث نشرت ثلاث كتب في العلاج الزواجي بشكل مفصل، و هي كتاب “جاكوسون” Jackobson 1979، و كتاب “ستيوارت” Stuart 1980 و كتاب “ليبرمان” و آخرون Liberman 1981. (لاتهيلاد و جاكوبسون. Lathaillade&Jackobson 1995. ص315)
2. الجذور السلوكية: ماذا يعني القول أن أسلوب ما لعلاج الأزواج هو سلوكي؟
§ التركيز على السياق: إن سلوك كل فرد و بالتالي كل زوجين يتشكل باستمرار بالأحداث البيئية الخاصة، و لذلك لا يمكن فهم سلوك الأفراد إلا من خلال السياق الشخصي المميز لهم، و بمعنى آخر إنه بالنسبة لأي زوجين، يتعين على كل طرف أن يتعلم كيف يسلك أو يتصرف في علاقة ودية خلال تجارب الحياة المختلفة، إضافة إلى تجاربهم المستمرة في علاقاتهم الحالية. كيفية تصرف كل طرف في العلاقة يمكن أن يفهم فقط بأخذ كل هذه التجارب الخاصة في الاعتبار. إن الفهم الدقيق ضروري لكي يكون العلاج فعالا.
§ التركيز على الحاضر: إن التركيز المبدئي يكون على الأمور التي تساعد على تنمية التغيير، و أن التغيير يظهر فقط في الوقت الحالي.
§ التركيز على المفهوم الفردي: إن المفهوم الفردي أكثر فعالية في العلاج، فلقد أصبح هدف العلاج التمييز بين سلوك الأزواج المتكدرين و سلوك الأزواج غير المتكدرين. إن التحليل الفردي يسمح للمعالج أن يأخذ في اعتباره الخبرات التاريخية المميزة لكل طرف في العلاقة الزوجية، ذلك أنه ما هو فعال بالنسبة لزوجين، قد لا يكون كذلك بالنسبة لزوجين آخرين لهما تاريخ مختلف.
§ التركيز على وظيفة السلوك: إن التركيز على وظيفة السلوك يفيد أكثر من التصنيف الطوبوغرافي، ذلك أن السلوكات التي تظهر متشابهة في الوصف بين الأزواج، قد تكون لها وظائف مختلفة للأزواج المختلفين، فمثلا إن ترك المنزل، يمكن أن وصف على انه مؤشر على تباعد السلوك، و هذا صحيح لبعض الأزواج بينما بالنسبة لأزواج آخرين، فإن ترك المنزل قد يؤدي إلى الاستمرارية، و بالتالي قد يفيد كمفهوم أو أسلوب سلوكي. إن ترك المنزل قد يؤدي إلى المواصلة أو الصلح بين بعض الأزواج بينما قد يخلق بساطة للبعض الآخر فرصة لتهدئة الوضع، و دون تحليل الوظائف الفردية، فإن المعالج لا يستطيع أن يقوم بهذا التمييز، مما يؤدي إلى فقدان الكثير من المعلومات المفيدة. و يعطي “جاكبسون 1992” مثالا عن زوج منهمك في عدة سلوكيات مختلفة الوصف، كلها تساعد على خلق مسافة بينه و بين زوجته، مثل التجاهل و الابتعاد و البقاء مشغولا. و بعد أن طور المعالج الحوار بينه و بين زوجته، حيث شجع الزوج على الحديث عن الصعوبات التي تمنعه من البقاء قريبا من زوجته، بدأ الزوج بعدها في الابتعاد أقل عن زوجته في الظروف الطبيعية، لأن الحديث عن البقاء قريبا من الزوجة، هو مشابه في التصنيف الوظيفي للسلوكيات التي يتجنبها الزوج في المنزل و بالتالي فإن تقليل النفور من الحديث عن البقاء قريبا من الزوجة يؤثر على كل التصنيفات المتشابهة.
إن جميع مبادئ السلوكية، يمكن أن تشتق من فرضية أساسية وهي أن السلوك يتشكل و يستمر بناء على عواقبه و نتائجه، و على المحددات الوراثية و الاستعدادات.
– هذه العواقب و النواتج تدعى التدعيم، و هي عدة أنواع:
1. التدعيم العشوائي Arbitrary Reinforcement: الذي يعرف بأنه الاستفادة من الأحداث التدعيمية غير المتاحة في البيئة الطبيعية، أو التي لا تنشأ طبيعيا من التفاعل بين الفرد و البيئة. في العلاج السلوكي التقليدي فإن توجيه الزوجين لتغيير أدوارهم في الحوار، هو مثال جيد عن استخدام التدعيم العشوائي.
2. التدعيم الطبيعي: الذي يعرف بالاستفادة من الأحداث التدعيمية المتاحة طبيعيا في بيئة الكائن الحي، و التي تنشأ طبيعيا من التفاعل بين الكائن الحي و البيئة. السلوك الطارئ التشكيل Contingency shaped Behavior الأحداث العامة و الأحداث الخاصة Rule Governed Behavior : إن التمييز بين التدعيم العشوائي و الطبيعي، مهم ليس لأن المدعمات العشوائية لا تفيد كمدعمات، فهي تزيد من معدل تكرار السلوك،و لكن لأن السلوك الذي يدعم عشوائيا أقل احتمالا لأن يعمم خارج المختبر بعد انتهاء التجربة، و الأهم من ذلك أقل احتمالا لأن يبقى و يستمر بعد انتهاء العلاج. إن القصور في العلاج الزواجي السلوكي يكمن في استخدامه للمدعمات العشوائية، بينما يشجع العلاج الزواجي السلوكي المتكاملين المعالين، على الانتباه بشدة للتمييز بين المدعمات و استخدام المدعمات الطبيعية كلما أمكن ذلك. و إذا كان هدف العلاج، هو زيادة رضا الزوجين عن العلاقة بينهما من خلال زيادة تكرار فرص الحوار الشيق و الحميم بينهما، فهذه المدعمات الطبيعية الحدوث، يجب أن تكون بؤرة أي تدخل علاجي فعال. أما مفهوم السلوك الطارئ التشكيل، فيعني السلوك الذي يتحدد بتوافقات لفظية، غير محددة خلافا للسلوك المحكوم الذي يتحدد بتوافقات لفظية محددة. إن المعالج الزواجي يمكنه أن يعقد اتفاقا لفظيا مع الفرد لكي يساعد أكثر في أعمال المنزل، أو لكي يتوقف عن الانتقاد اللفظي، و يتوقع أن يكون لهذا الاتفاق تأثيرا مرغوبا في أغلب الأحيان و لكن المعالج لا يستطيع أن يعقد مثل هذا الاتفاق مع الفرد و يطلب منه أن يشعر بالقرب أكثر من شريكه أو أن يشعر أكثر بالحب أو يشعر أقل بالغضب. (جاكبسون و كوردوفا Jackobson&Cordova . 2000. ص1151) هذا و سنتناول بإذن الله في مقال آخر وجهة النظر التقليدية للعلاج الزواجي عند السلوكيين، ثم نتطرق إلى العلاج الزواجي السلوكي الحديث. و نختمها إن شاء الله بالعلاج الزوجي المعرفي وطرق العلاج.
ب.قاصب/ أخصائي نفساني
المرجع: “الإستقرار الزواجي”. الدكتورة كلثوم بلميهوب، جامعة الجزائر.
التعليقات