(أسلوب تقليل الحساسية التدريجي أو التحصين التدريجي)
• مقدمة: إن أكثر الاتجاهات النظرية التي أظهرت نجاحا في معالجتها للمخاوف المرضية كما دلت على ذلك الدراسات التجريبية، هي نظريات التعلم، و خاصة أساليب تقليل الحساسية التدريجي، أو ما يسمى بالتحصين التدريجي systematic desensitization و الإشراط المضاد counter conditioning و الإشراط الإجرائي بواسطة تشكيل السلوك تدريجيا shaping و قد شهدت السنوات الماضية اهتماما متزايدا للإجراء المعروف باسم تقليل الحساسية التدريجية، و الذي كان (جوزيف ويلبي، Joseph Wolpe) قد طوره عام 1958، وصف ولبي أسس النظرية التي استمد منها هذا الإجراء في كتابه “العلاج النفسي بالكف المتبادل”، فقد اقترح أن تقليل الحساسية التدريجي هو أحد أشكال الإشراط المضاد و يعني استخدام قوانين التعلم بهدف استبدال الاستجابة بأخرى حيث افترض أنه بالإمكان محو استجابة مضادة لها لوجود المثير الذي يستجرها و هذا ما يطلق عليه اسم الكف المتبادل. و الاستجابات المتناقضة لا يمكن أن تحدث في وقت واحد، فعلى سبيل المثال لا يستطيع إنسان أن يشعر بالخوف و القلق و هو في حالة استرخاء تام ذلك أن الاسترخاء يكبح هذه الاستجابة الانفعالية. وقد أثبت ولبي في كتابه أن ما يقرب من 90% من حالة الخوف و القلق التي قام بعلاجها (نحو 200 حالة) شفيت باستخدام هذا المبدأ. المهم أن الفكرة العامة و الرئيسية لهذا الأسلوب العلاجي حول إزالة الاستجابة المرضية (الخوف أو القلق) تدريجيا من خلال استبدالها بسلوك آخر معارض للسلوك المرضي عند ظهور الموضوعات المرتبطة به.
• المشكلات السلوكية التي تعالج باستخدام تقليل الحساسية التدريجي: يستخدم أسلوب الحساسية التدريجي في علاج فئتين رئيسيتين من المشكلات هما:
1. الاضطرابات التي يكون القلق مسببا لها مثل مشكلات: اضطرابات الكلام، الانحرافات الجنسية، الأرق، تناول الكحول، الغضب، المشي أثناء الليل، الكوابيس، العزلة، تجنب التفاعل الاجتماعي.
2. المخاوف المرضية التي يكون فيها موضوع الخوف محددا و من الأمثلة على ذلك: الخوف من الحيوانات و الحشرات، و الخوف من الأماكن المرتفعة، الخوف من الماء، الخوف من قيادة السيارات، الخوف من الامتحان، الخوف من الأماكن المرتفعة و المغلقة، الخوف من الإصابات الجسدية، الخوف من رفض الآخرين، و أخيرا الخوف من الموت.
• طريقة عمل المعالج: إن المعالج السلوكي بعد تشخيصه لحالة العميل و تحديد أهم التقنيات الملائمة لمواجهة صعوباته و التخفيف من معاناته كتحديد أسلوب “تقنية سلب الحساسية المنتظم” في حالة مريض أو قلق، على المعالج في هذه الحالة أن يقوم بشرح بسيط للمراحل المختلفة و التي يمر بها العلاج، و الفكرة التي قوم عليها فيتدخل كالآتي: ” إن الانفعالات التي نعيشها مثل القلق هي نتيجة لخبرات سابقة مرنا بها مع بعض الناس، أو بعض المواقف و هذه الاستجابات الانفعالية قد تؤدي إلى مشاعر القلق و التوتر و هي مشاعر غير ملائمة و لما كان إدراك مثل هذه المواقف يحدث داخليا فإنه بوسعنا أن نعمل سويا و نتعامل مع هذه الانفعالات الغير مناسبة و ذلك عن طريق تخيل المواقف. ” و بعد ذلك يبدأ المعالج في تعريف العميل للأسلوب الذي يستخدمه في العلاج و أن هذا الأسلوب يعرف بـ: ” سلب الحساسية المنتظم “، و أن هذا الأسلوب يشتمل على مرحلتين:
– الأولى: تتكون من التدريب على الاسترخاء حيث سأقوم بتدريبك و تعليمك كيف تصبح أكثر إسترخاءا عما تعودت أن تكون عليه.
– الثانية: سوف أقوم بمساعدتك على تخيل المواقف التي تثير لديك القلق و ذلك بكل متدرج و متتابع و أنت في حالة الاسترخاء.
• خطوات تقنية سلب الحساسية المنتظم: و تشتمل أسلوب “التخلص التدريجي من الحساسية” على الخطوات التالية:
– التدريب على الاسترخاء.
– إعداد مدرج القلق.
– مرحلة العمل (عملية التخلص المنتظم من الحساسية).
1. يتم التدريب على الاسترخاء في غرفة هادئة ذات إضاءة خافتة، وتكون بعيدة عن الضوضاء الخارجية، و من الأفضل أن تشتمل الغرفة على أريكة حتى يمكن تسيير الاسترخاء عن طريق استلقاء العميل عليها، فإذا لم توجد الأريكة يمكن استخدم كرسي كبير و مريح، و في المعتاد أن يستغرق التدريب على الاسترخاء من جلستين إلى ثلاث جلسات، كما يمكن لمعالج أثناء التدريب أن يستعمل بعض الكلمات المشجعة و المساعدة مثل: ” خذ نفسا عميقا، احتفظ بعضلاتك مسترخية، لاحظ كيف تحس الآن أن عضلاتك دافئة و ثقيلة، و مسترخية..” و بعد الاسترخاء يحدد المعالج مصدر القلق لدى العميل سواء كان هذا المصدر مواقف، أو أفكار، و بعد تحديد المثيرات المولدة للقلق فإنها تقسم إلى مجموعات تبعا للعناصر المشتركة بينها، فمثلا قد يشعر شخص ما بالقلق من نقد الآخرين له، و مثل هذا الشخص تكون مخاوفه مركزة حول موضوع عام للخوف، و هو الخوف من الأحكام الاجتماعية المضادة.
2. يكلف المعالج المسترشد بوضع هرم القلق أو مدرج القلق كواجب منزلي حيث يطلب منه كتابة المواقف، أو الأحداث التي تثير القلق عنده على بطاقات.و أن يقوم بالخطوات التالية:
1. أحضر مجموعة من البطاقات، و اكتب على كل بطاقة منها مواقف تثير القلق عندك.
2. أعط درجة تتراوح من (0 – 100) لكل بطاقة من البطاقات بحيث تشير (100) إلى موقف يثير أقصى درجات القلق، و علامة (0) تعني أن المواقف لا تثير أي مشاعر خوف أو قلق.
3. رتب البطاقات بشكل تصاعدي من أقلها إثارة إلى أكثرها و أشدها للإثارة عندك.
4. حاول التأكد أن الفروق بين الفقرات بسيطة و لا تزيد عن (05) درجات.
5. أعط أرقاما متسلسلة للبطاقات.
و فيما يلي مثالا على هرم القلق وضعه (ولبي) لطالبة جامعية تعاني من قلق شديد من الامتحانات:
1. أربعة أيام قبل الامتحان.
2. ثلاثة أيام قبل الامتحان.
3. يومان قبل الامتحان.
4. يوم واحد قبل الامتحان.
5. ليلة الامتحان.
6. ورقة الامتحان بين يدي الطلبة.
7. انتظار توزيع أوراق الامتحان.
8. الطالبة تقف أمام باب قاعة الامتحان.
9. أثناء الإجابة على أسئلة الامتحان.
10. الطالبة في طريقها إلى الجامعة يوم الامتحان.
إن التسلسل المنطقي للفقرات يقتضي أن تتبع الفقرة رقم (10) الفقرة رقم (05) و لكن كما ذكرنا سابقا بأن مدرج القلق لا يعتمد على المنطق، و إنما على ما تعنيه المواقف المختلفة بالنسبة للمسترشد نفسه.
3. بعد أن يتم تدريب المريض على الاسترخاء و إعداد مدرج القلق تبدأ مرحلة العمل و هي عملية التخلص التدريجي من الحساسية و التي تتم إما في الواقع الملموس، أو عن طريق التخيل، و هو الأكثر شيوعا. و تبدأ الجلسة الأولى من مرحلة التنفيذ أمن تطلب من العميل أن يسترخي لمدة (05) دقائق مع الإيحاء بأنه أصبح أكثر إسترخاءا، و يطلب المعالج من المريض أن يشير بإصبع السبابة اليمنى عندما يصبح في حالة استرخاء، و شعور بالراحة، ثم يطلب منه أن يتخيل مشهدا من المواقف التي حددها في مدرج القلق و يكون هذا المشهد عادة هو أقل المواقف إثارة للقلق، و يعرف بالمشهد الضابط، و يجب أن يكون التخيل لأوضح درجة ممكنة، فيقول المعالج للمريض: “تخيل المشهد كما لو كنت تعيشه فعلا”، ثم ينتقل بعد ذلك إلى مشهد آخر، و هكذا إلى أن يشير المريض بأنه قد بدأ في الشعور بالتوتر، و يكر المعالج تقديم المشهد الواحد من (03) إلى (04) مرات، تستغرق كل مرة حوالي (10 ثواني). و تعرض المشاهد التي يتخيلها العميل في شكل تصاعدي تبعا للمدرج الذي تم إعداده و ذلك بدءا بأدناها إثارة للقلق و يمكن تخصيص باقي الجلسة لمناقشة بعض الجوانب المتصلة بالقلق عند العميل. و في المرة القادمة إن شاء الله سأعرض عليكم حالة في إطار العلاج الجماعي التي استعملت فيها هذه التقنية حتى تتضح أكثر لمن هو مهتم بها.
السيد: قاصب بوعلام/ أخصائي نفساني
المراجع:
1. إبراهيم عبد الستار: العلاج النفسي السلوكي المعرفي الحديث، دار الفجر، القاهرة، مصر 1994.
2. العزة و عبد الهادي: نظريات الإرشاد و العلاج النفسي، الطبعة الأولى، الأردن 2001.
3. الشناوي محمد محروس: العلاج السلوكي الحديث، دار قباء، القاهرة 1998.
التعليقات