يعكف الأطباء والمختصين بشكل جاد منذ حوالي نصف قرن على تطوير طرق وأساليب جديدة ناجمة وفعالة في علاج حالات إدمان الكحول والمخدرات وفق مدارس العلاج ونماذج التدخل الإرشادي الى جانب الإشراف الطبي واستخدام الأدوية والعقاقير الذي لم يعد كافيا لشفاء الشخصية الإدمانية .

 

إن أبرز النظريات الإرشادية هي نظرية التحليل النفسي (القدامى ـــ سيجموند فرويد والتحليليون الجدد) ، والنظرية السلوكية (واطسن ــ سيكنر ــ بافلوف) ومنها جاء موضوع مقالنا النظرية السلوكية العاطفية لألبرت أليس، والثالثة هي النظرية الوجودية الإنسانية (كارل روجرز) التمركز حول ذات المنتفع.

يمتاز العلاج السلوكي بأنه اثبت نجاحا في تعديل السلوك الإدماني إذ يستغرق لتحقيق أهدافه وقتا أقل نسبيا من النظريات الأخرى مما يوفر الوقت والجهد والمال ويسعى إلى تحقيق أهداف واضحة سلوكية محددة. حيث يلعب العمل دورا أهم من الكلام ويتيح علاج اكبر عدد ممكن من المدمنين من كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية . صحيح أن نظرية ألبرت أليس (السلوكية المعرفية) تحتاج أن يكون المدمن متعلما ذا حظ لا باس به من الثقافة إلا أن هذه المعضلة نستطيع التغلب عليها من تنفيذ بعض البرامج المعتمدة والمستندة لنظريات التعليم وتفيد المعتقدات المنطقية وتصحيح المشاعر المزعجة وتعديل السلوكيات الغير مرغوب فيها.

كما يتميز هذا النهج بإمكانية إخضاع فروضة ومسلماته للتجريب العلمي والنقد والبحث المنهجي خاصة إذا علمنا حداثة هذه النظريات وعدم تعرضها لأبحاث ودراسات نقد جادة .

استنادا إلى هذه النظرية: على المعالج تهيئة الظروف التي تتدخل في السلوك الحالي للمدمن علية الفطام والتي تودي الى تعلمه طرقا جديدة للاستجابة للبيئه وترى ذلك من الطرق المتبعة في المصطلحات والمراكز العلاجية من خلال دمج المدمن بعد الفطام في أعمال التنظيف والطبخ والترتيب والزراعة … إلخ) وتعويدهم على برنامج يومي يبدأ بالاستيقاظ في ساعة محددة وحلاقة الذقن وجلسات محددة ….. الخ.

ويحدد كلاين (klien) ثمانية أهداف للعمل مع الجماعات العلاجية في مجال إدمان المخدرات وهي:

التأهيل + إعادة التأهيل + الإصلاح + حل المشكلات + الوقاية +التنشئة الاجتماعية +العمل الاجتماعي +اكتساب وتنمية القيم الاجتماعية. واقترح شولمان (schulman) بعض الأساليب التي يمكن استخدامها اثناء هذا العلاج الجماعي مثل حث الأعضاء على التحدث والتغبير عن أرائهم وأفكارهم للعمل على تغيرها والتعبير عن مشاعرهم ومعتقداتهم وقيمهم للعمل على مواءمتها مع ما يتفق بطرق الشفاء من الإدمان .

تعتبر نظرية العلاج العقلاني العاطفي (RET ) لالبرت أليس (Rational Emotive Theropy – Albert Ellis ) طريقة متكاملة للعلاج والتعلم وتستند إلى إطار نظري للأبعاد المعرفية الإدراكية والانفعالية والسلوكية وتؤيد العلاج النفسي الإنساني والتعليمي انطلاقا من الفرضية القائلة أن عواطف وانفعالات الإنسان ناتجة عن عقائدهم وأفكارهم وقيمهم , فنظام الأفكار عند الإنسان أفكار عقلانية منطقية وأفكار لاعقلانية لا منطقية ينبغي العمل على تفنيدها وبناء أفكار منطقية خلال العلاقة الإرشادية المهنية .

فعند معظم المدمنين أفكار غير منطقية مثل أن الماريجوانا والكحول ليسا من المخدرات الخطيرة والضارة وان علاج الإدمان مستحيل وان المخدرات تعطيهم القوة وتساعدهم في المواجهة والأداء الجنسي، وغيرها من الأفكار التي ينبغي على الفريق العلاجي تحديدها وتحديد آليات ملائمة لتفنيدها ووضع أفكار صحيحة منطقية .

وعند معظم المدمنين مشاعر ومواقف مزعجة كالصراع مع الآخرين والرغبة في توريطهم والخوف من المواجهة ورؤية الأمور ضمن خطين فقط ( ابيض واسود لا ثالث لهما ) ضمن الأفكار والمشاعر النمطية وغيرها من العواطف والانفعالات التي لا بد من المعالج الوقوف عليها واختيار التكتيكات الإرشادية والعلاجية لتغييرها ومساعدة المدمن على بناء منظومة انفعالية شعورية عاطفية تستند إلى قاعدة صحيحة. الإدمان ما هو إلا إدارة سيئة ومدمرة للحياة وعن طريقها يحاول المدمن الحياة انه سلوك متعلم , من الممكن أن يبطل مفعول ذاك التعلم فعلاج الإدمان يجب أن يبحث في السبب وراء عطل أو فشل الوسائل الطبيعية للعيش بسعادة في حياة المدمن وتزويده ببدائل صحيحة وسلوكية لاستعادة التوازن في حياته ومحيطه من خلال إكسابه أدوات جديدة للعيش بتناغم ليتمكن من كسر دائرة الإدمان أو يحيا حياة معقولة لها معنى وهدف .

إن أية مناهج علاجية للإدمان تكتفي بالعلاج الجسمي ولا تأبه بتعديل السلوك وإعادة تأهيل المدمن هي مناهج ناقصة، فالمدمن يتخلص جسده من السموم بعد شهر ولكن تبقى عنده الرغبة القهرية لتعاطي المخدرات وتبقى هواجس أفكاره اللامنطقية ويبقى رصيد مشاعره المؤلمة مما يساعد في حدوث الانتكاسة. فعندما يصبح ناقه الإدمان كطفل مشتت يعيش صراعا واستفاق من غيبوبة ورحلة أوهام وهلاوس وذكريات من الصعب أن يتغلب عليها. فلا بد من مراحل تدخل إرشادية وعلاجية تعمل على تصحيح إدارته لحياته وتنمي شخصيته وفق النظرية السلوكية المعرفية لا غنى عنها في هذا المجال .

 

إعداد- عماد عبد الرحيم الشويكي

 

مركز صامد للتثقيف المجتمعي

 

المصدر: مركز إعلام القدس