alt

مذكرات معالج مبتدئ

من أحلامي الكبيرة ان أحترف العلاج النفسي عموماً، والعلاج المعرفي السلوكي خصوصاً

من أحلامي الكبيرة أن أحصل على تدريب واشراف عملي في العلاج المعرفي السلوكي

عندما يُذكر لفظ الـ CBT أو أي مفردة مختصة به أجد قلبي تزداد نبضاته ومعدل الحماس والسعادة والادرينالين يرتفع..

وفي يوم من الأيام تحقق الحلم.

كانت الجلسات الإشرافية  نقلة عظيمة من النظرية للعملية ، وكان كل ما تعلمته وقرأته في سنوات مضت في كفة وما تعلمته بعد الإشراف في كفة

بدأت الجلسة الأولى بشرح عن العملية الاشرافية و ما هو المتوقع مني كمتدرب و ما المتوقع من المشرف واتفاق على الالتزام، وما يُتوقع أن يواجهني خلال هذه الرحلة، وبعض التوجيهات للجلسة الأولى مع العميل، وماهي الصعوبات المحتملة وكيف سأتعامل معها

بدأنا بالواجب الأول، وهو أن أسجل الجلسات تسجيل صوتي للجلسة ، شرح لي المشرف كيف سأستأذن العميل في التسجيل وأشرح له أهميته

الجلسة الاشرافية تحذو في ترتيبها حذو جلسة العلاج المعرفي السلوكي:

حيث تبدأ بالسؤال عن أهم الأحداث التي حصلت، وكيف كان المزاج في الجلسة ، ومن ثم وضع الأجندة ومناقشتها، وتختتم بالسؤال عن انطباعي عن الجلسة وما استفدت منها ومالذي نستطيع عمله أو تعديله في الجلسات المقبلة، وأخيراً التكليف أو الواجب المنزلي.

طريقة المشرف في الحوار في أغلبها هي طريقة الحوار والأسئلة السقراطية.

كانت الجلسة الاشرافية الخامسة هي نقطة التحول ، لماذا؟

لان المشرف أخبرني أنه من الجلسات القادمة ، ليس على فقط حكاية وكتابة أحداث الجلسة ، انما أن أتنبه لمشاعري وانفعالاتي، في الجلسة نفسها ، وأنا أستمع للتسجيل أيضا.


ومن تلك الطريقة ومن الجلسات تعلمت:

استيعاب شيء ما من شعور المريض وأيضا الصعوبات التي يواجهها في البداية.

أن تكون في مكان ليس فقط للمواساة ولكن عليك واجبات كما لك حقوق ، وحين نعلم أننا نتحمل جزء من المشكلة، وأن علينا مسؤولية التعلم والتغيير والمعالج أو المشرف هو مساعد وليس بيده العصا السحرية ، يصنع عبئا.

مهما يعرف الانسان انه مخطئ، إلا أن مواجهة نفسه بذلك الخطأ أو تنبيهه عليه يظل صعباً، مع العلم لا يتم ذلك بطريقة مباشرة  خلال الجلسات (العلاجية/ أو الاشرافية) وإنما من خلال الحوار السقراطي وسجل الأفكار. ولا يتبرع بها المعالج/ أو المشرف اطلاقاً.

في الجلسات الاشرافية غالبا لا نتكلم عن الايجابيات أو المشاعر الجيدة، وان كان لها نصيب،-إنما يكون أغلب النقاش عن الصعوبات والمشكلات ،كما يحدث ذلك أيضا في الجلسة العلاجية، وذلك ليس بالأمر السهل إطلاقاً ، وقد كانت تلك احدى الصعوبات


وضع الأجندة وتحديد أهم النقاط التي اود الحديث عنها وترتيبها ، ومعرفة الأهم من المهم، كانت أيضا صعوبة واجهتها في البداية وبدأت تخف مع الوقت، حتى أصبح العقل مرتبا، وعندما استطعت الوصول لهذا التطور استطعت بسهولة تحديد الأجندة مع العملاء في الجلسات وتدريبهم حتى يصلون هم إلى نفس النتيجة التي وصلت إليها مع التقدم في الجلسات.


سجل الأفكار كان يطلب مني أحيانا أن أقوم باستخدامه على مواقفي في العملية الاشرافية  ، وهو أيضا لم يكن لطيفا أو محببا وسلساً في البداية ، وذلك لأنه يطلعنا على تلك المشاعر والأفكار الغير المحببة ، والتي في طياتها تكمن المشكلة، ومع الوقت بدأت أرى في طياتها الحل أيضا، وفي الجزء الثاني من السجل (الأدلة المؤيدة والغير المؤيدة والفكرة البديلة ) قوة رهيبة في ترتيب الأفكار ووضع المشاعر في مكانها الصحيح


في الجلسات الاشرافية أحيانا بعض الأسئلة على الطريقة السقراطية مربكة وتجعلني في صراع فكري لبعض الوقت ولكن لا ألبث أن أجد لها إجابات إلى أن يحين موعد الجلسة القادمة، ويهدأ الصراع .

كنت أجهز الأسئلة وأحضّر وأنا بشغف للحصول على إجابة ، في كثير من الأحيان ، لا يجيبني المشرف بل يسأل: وما رأيك أنت ؟ لوهلة تصيبني دهشة ، وكأن سؤالي وجّه إلىّ ، وقتها يبدأ عقلي بالحراك بالاتجاه الايجابي ، ويبدأ البحث عن إجابة ، ويُفتح نقاش مدهش، هذه الإجابات بالعادة أكثر رسوخا من تلك التي تأتي جاهزة والتي كنت انتظرها على طبق من ذهب.

لا أحد –حتى أنا نفسي يتخيل سعادتي وحبوري عندما أجد تشجيعا وثناء ولو كان صغيرا، ووجدت أثرا لذلك حتى مع العملاء .


التمرين المنزلي وما أدراك ما التمرين المنزلي: كان يوجد في العقل شيء من الاعتقاد شبه الراسخ أن عدم عمل العميل للتمرين المنزلي هو اهمال منه ، وعدم تعاون في الجلسات، أما ما اكتشفته كان التالي: أحيانا لا يُبذل الجهد الكافي في شرح التمرين وأهمية التمرين، و مالفائدة التي سيجنيها العميل من اقتطاع جزء من وقته لأدائه، فالجهل هو أحد أسباب عدم التعاون في ادائها

أيضا : مراعاة ظروف العملاء ومناقشتهم في امكانية ادائهم لها يزيد من احتمالية أدائها بشكل كبير

شرح العوائق والصعوبات التي يمكن تواجه العميل ومحاولة حلها أثناء الجلسة، ومنها أحيانا النسيان ، فطريقة كنت أنفذها ما بين جلساتي الاشرافية أن أسجل كل ما يخطر على بالي في جهاز الهاتف المحمول حفظا له ، ومن ثم أعيد ترتيبها، بعد النقاش مع العميل في أسهل الطرق وأكثرها ضمانا لأداء الواجب قد اقترح عليه تلك الطريقة ، وأفتح له المجال لابتكار أي طريقة مساعدة ، لأن الهدف هو النتيجة وليس الطريقة

والدرس العملي الأهم للعملاء والذي أحرص أن يعوه بعد أن وعيته أنا خلال الجلسات:

عدم أداء الواجب ، أو عدم أداءه بالطريقة المطلوبة تماما ليست النهاية ،أو أن الجلسات ستفسد ، وسيفشل العلاج؟! بل مازال هناك فرصة أخرى ، وطريقة أخرى ، ومحاولة أخرى ، ولا بأس من الخطأ، وأن الخطأ والإخفاق ليس نهاية ، ولا يطعن في قدرات الانسان ومهاراته وأداءه.


تعلمت:

تتعدد الأساليب والوسائل والتقنيات والعلاجات ، والاحترافية في وضع المُتعالج المناسب في المكان المناسب.

لا يوجد شيء صحيح أو شيء خاطئ ، الأمور نسبية ، ولي في ذلك قاعدتين (أفضل الممكن)(وأخف الشرين)

كيف يكون الانسان أكثر تكيفاً أكثر تقبلاً، أكثر واقعية ، مع العلم أنه ليس دائما ما يكون الواقع جيد

أن يستطيع العميل أن يرى الأشياء الجيدة في حياته كما الأشياء السيئة

عدم النظر للعميل من برج عاجي عالي، أو كأستاذ ومعلم ، أو ملقي ومتلقي. وطبيعة الجلسات هي جلسات تعاونية تشاركية

وتعلمت أن لا اتخذ قرارا عن أحد..


من أكثر ما رأيته يؤثر في المراجعين معرفتهم أنك لست الوحيد الذي يعاني , وأن أشخاصا آخرين كان لديهم نفس المعاناة وتحسنوا، وذلك أثر بي أيضا عندما علمت أنني لست الوحيدة التي قد أواجه تلك المشكلات أثناء الجلسات ، أو أن ذلك له علاقة بنقص القدرات والامكانيات ، ولكن حتى المعالجين المتمكنين قد تواجههم احيانا مثل تلك الاشكاليات.


الجلسة الأولى بعد جلسة التقييم هي جلسة التثقيف : بطبيعة الاضطراب ، وبالعلاج المعرفي ، وبما ستكون عليه الجلسات وما هو المتوقع منه ، ماهي حقوقه وماهي واجباته ، والصعوبات التي من الممكن أن يواجهها

جلسة التثقيف أطلق عليها (الجلسة السحرية) ، لأن في قناعتي أن معرفة المشكلة هو نصف الحل.

 

الأهداف: وضع الأهداف العلاجية منذ البداية مهم حتى تسير الجلسات في طريق معلوم نهايته ، وتتظافر جهود العميل والمعالج للوصول إلى هذا الهدف، وضع الأهداف ليس بالسهولة المتوقعة ، وهذا ما حدث معي في تحديد أهدافي من الجلسات الإشرافية، يحتاج إلى مران وتدريب ، وقد يتم مراجعتها في منتصف الجلسات وتعاد صياغتها حيث يكون العميل بدأت أفكاره تترتب.


وجهة نظر:

في التحليل النفسي من شروط الحصول على تدريب وإجازة في هذا النوع من العلاج النفسي ، لابد أن يخضع المعالج لجلسات علاج تحليلي، حتى يفصل نفسه وذاته عن المريض ولا يسقط عليه آراءه ورؤاه

وبالنسبة لي هذا ماحصل في تلك الجلسات.

منها تعلمت انني لست قاضي ولا حكم ولا شرطي في الجلسة مما ساعد على أن أستمع واستمتع، فالانشغال بالحكم على الناس مرهق!!


التلقائية مع العميل:

تعلمت أن الجلسة العلاجية جلسة تختلف عن الفصل التعليمي، عن العلاقة بين الطالب والاستاذ، أو المدير والموظف، هي علاقة انسانية ، علاقة تعاونية ، والعلاج في ذاته تشاركي ، ويعتمد على العميل كما يعتمد على المعالج

ان نسيت فلا بأس أن أقول، وإن أخطأت فلا يضر أن أعترف وأعتذر ولن ينقص ذلك من قدري أو يؤثر في نظرة العميل لي أو مهنيتي

منحتني الجلسات الاشرافية أن أطور مهارات الاستماع،

أن أستمع لأستمع ، لا أن أستمع لأرد.

منحتني الجلسات أن أطور مهارة التأني وعدم العجلة، عدم العجلة في كل شيء .

تعلمت .. أن مايعتقده العميل أنه مهم ‘ فهو المهم ، وأن ما يعتقد أنه خلاف ذلك ، فهو كما يعتقد.. ليس المهم كم من المعلومات أعرف وإنما كيف أتعامل مع هذه المعلومات.

ا

لعلاج المعرفي – في وجهة نظري- فن ، والمعالج المعرفي كفنان ، يحاول أن يرسم أجمل لوحة باستخدام أدوات العميل ، وليس أدواته.

العلاج المعرفي كمعادلة ، فيها بعض المجاهيل قد تكون بمجهول واحد وقد تكون بمجهولين وقد تكون أكثر من ذلك، والمعالج المعرفي، كأستاذ رياضيات يحاول أن يعلم الطالب كيف يحلها ، وكيف يعرف تلك المجاهيل لا أن يحلها عنه ويقدمها له، فإحدى أهداف العلاج المعرفي أن يكون العميل هو معالج نفسه في نهاية العلاج.

 

 سماع التسجيل الصوتي في حد ذاته كان مفيداً ونبهني على العديد من نقاط الضعف عندي . وقد ذكرت جوديث بيك في كتابها العلاج المعرفي الأسس والأبعاد ، أن تسجيل الجلسات ومشاهدتها أو سماعها إحدى وسائل التدريب الذاتي لمن لم يجد مشرفاً ويريد تطوير مهاراته في هذا الباب.

في بعض الجلسات التدريبية في بعض الدورات ، وعند تمثيل الأدوار ، كنت في الغالب أمثل دور المعالج لظني أنه الأصعب ، ولظني أني اطور مهاراتي بشكل أكبر ، صحيح ذلك ولكن العكس –وهو أن العب دور المتعالج- هو أصح منه!!

وجدت أن تغير فكرة ليس بالأمر السهل، وتغيير قناعة هو أشد منه صعوبة، لا أستطيع أن أقول أني عرفت شعور المريض لأن ذلك قد يكون شيء بالغ الصعوبة ، ولكن على الأقل استطعت أن أتفهمه ، وأن أقترب منه

الاجابات الجاهزة فيها نوع من فرض الرأي، الأحكام فيها نوع من اسقاط مشاعر المعالج على المتعالج


ما رأيك؟

دعنا نجرب ، فكلانا نستطيع التخمين ولكن لا نستطيع معرفة ما سيحدث بدقة

ماذا يعني ذلك لك

(كلمات ذهبية بالنسبة لي)

 

العلاقة العلاجية: الثقة والتقبّل هي مفتاح لنجاح تلك العلاقة بين المعالج والعميل ، وجمال وفعالية مخرجات تلك الجلسات ، وبين المشرف والمتدرب بما ان جلسات الاشراف كانت نموذج معرفي مصغر

بقدر الخوف الذي كنت احمله في البداية من الانتقاد ، أو ظهور الأخطاء ، إلا أن تعامل المشرف المعتدل في تلك المواقف أزال كل تلك المخاوف ، فلم الحظ يوما استصغار لفعل ما أو استخفافاً بأي مشاعر، أو توجيهات مباشرة، وذلك منحني الشجاعة للاستمرار والرغبة في التصحيح ، وذلك تقريباً ما ينشده العميل في معالجه ‘ فهو لا يود أن يرى نموذج الأم الناصحة أو الأب الواعظ أو الاخوة المنتقدون ، أو تلك التوجيهات والنصائح التي قد تناسب وفي أغلب أحيانها لا تناسب


ومن أجمل الأشياء التي أحببتها في العلاج المعرفي السلوكي، أنه يضع قواعد وأسس عامة ينبغي عدم الخروج عن اطاراتها ، ولكن بين هذه القواعد مساحات واسعة يستطيع فيها المعالج الابداع ، وكل عميل هو عالم مختلف عن الآخر.

 

أخيراً ..

لم تكن الرحلة سهلة ولكن كانت جدا ممتعة

كانت تتطلب جهدا في الاعداد لها ، وفي أداء المطلوب.. ولكنه ذلك الجهد اللذيذ الذي كلما نهلنا منه ،كلما ازداد شغفنا به

هذه الأسطر هي خلاصة تلك التجربة وليست التجربة كاملة ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق..

كل الامتنان والشكر للمشرف الدكتور الذي رافقني في هذه الرحلة والذي فتح تلك الآفاق المعرفية ، وكان في غاية الكرم خلال تلك الساعات الاشرافية..

شاكرة وممتنة

 

سماح طلال

أخصائية نفسية – مستشفى الملك خالد الجامعي